البشر ... ذلك الاختبار الذي يعم كل حياة الإنسان و المجتمعات البشرية، و
بتعبير آخر، فإن كل مراحل حياة الإنسان في هذه الدنيا تطوى في هذه الاختبارات، فإن
هذه الدنيا دار امتحان و ابتلاء.
لقد كان قوم فرعون يعيشون أوج قوتهم و عظمتهم بامتلاكهم حكومة قوية، و ثروات
ضخمة، و إمكانيات واسعة، فغرتهم هذه القدرة العظيمة، و تلوثوا بأنواع المعاصي و
الظلم و الجور.
ثمّ تضيف الآية وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ
كَرِيمٌ فهو كريم من ناحية الخلق و الطبيعة، و كريم من
ناحية العظيمة و المنزلة عند اللّه، و كريم من ناحية الأصل و النسب، و لم يكن هذا
الرّسول إلّا موسى بن عمران عليه السّلام. [1] لقد خاطبهم موسى عليه السّلام بأسلوبه المؤدب جدّا، الملي
بالود و المحبة، فقال: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ
عِبادَ اللَّهِ. [2] و طبقا لهذا التّفسير، فإنّ عِبادَ اللَّهِ بحكم
المخاطب، و المراد منهم الفراعنة، و بالرغم من أنّ هذا التعبير يستعمل في آيات
القرآن في شأن العباد الصالحين، إلا أنّه أطلق أيضا في موارد عديدة على الكفار و
المجرمين، من أجل تحريك وجدانهم، و جذب قلوبهم نحو الحق [3].
بناء على هذا، فإنّ المراد من أَدُّوا إطاعة أمر اللّه سبحانه و تنفيذ أوامره.
و قد ذكر جماعة من المفسّرين تفسيرا آخر لهذه الجملة، فقالوا: المراد من عِبادَ اللَّهِ بنو إسرائيل،
و من أَدُّوا إيداعهم بيد موسى، و رفع الذلة و العبودية
[1]- يقول الراغب في المفردات: الكرم
إذا وصف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه و إنعامه، نحو قوله: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ و إذا وصف ربّه الإنسان فهو اسم للأخلاق و الأفعال المحمودة التي تظهر منه.
و لقد ورد هذا الوصف لأمور أخرى أيضا القرآن المجيد، مثل: كتاب كريم، كل زوج
كريم، رزق كريم مقام كريم، أجر كريم
[2]- «أن» في جملة: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ تفسير لفعل مقدر يفهم من الكلام السابق، و التقدير: (جئتكم
أن أدّوا إليّ عباد اللّه).
[3]- كالآية 17- الفرقان، و 13- سبأ،
و 58- الفرقان، و غيرها.