تتمة لتهديدات البارئ عزّ و جلّ التي وردت في الآيات السابقة للمشركين، و
الوعد التي لأنبيائه، تتطرق الآية الأولى في بحثنا لتهديد الكفّار أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَ يُخَوِّفُونَكَ
بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ.
إن قدرة البارئ عزّ و جلّ أقوى و أعظم من كلّ القدرات الأخرى، و هو الذي يعلم
بكلّ احتياجات و مشكلات عباده، و الذي هو رحيم بهم غاية الرحمة و اللطف، كيف يترك
عباده المؤمنين لوحدهم أمام أعاصير الحوادث و عدوان بعض الأعداء؟
و مع أن سبب نزول هذه الآية- طبقا لما جاء في الرّوايات التي ذكرناها- هو للرد
على التخويف و التهديد بغضب الأصنام، لكن معنى الآية أوسع، و يتّسع لكلّ تهديد
يهدد به الإنسان بما هو دون اللّه.
على أية حال، فإنّ في هذه الآية بشرى لكلّ السائرين في طريق الحقّ و المؤمنين
الحقيقيين، خاصّة أولئك الذين يعيشون أقلية في بعض المجتمعات، و المحاطين بمختلف
أشكال التهديد من كلّ جانب.
الآية تعطيهم الأمل و الثبات، و تملأ أرواحهم بالنشاط و تجعل خطواتهم ثابتة، و
تمحو الآثار النفسية لصدمات تهديدات الأعداء، نعم فعند ما يكون اللّه معنا فلا
نخاف غيره، و إن انفصلنا و ابتعدنا عنه فسيكون كلّ شيء بالنسبة لنا رهيبا و
مخيفا.
و كتتمة للآية السابقة و الآية التالية اشارة إلى مسألة (الهداية) و (الضلالة)
و تقسم الناس إلى قسمين: (ضالين) و (مهتدين) و كل هذا من اللّه سبحانه و تعالى، كي
تبيّن أنّ جميع العباد محتاجون لرحمته، و من دون إرادته لا يحدث شيء في هذا
العالم، قال تعالى: وَ مَنْ يُضْلِلِ
اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ.