إنّه لوصف و
تجسيد لطيف و جميل لنفوذ آيات القرآن العجيب إلى أعماق القلوب، إذ أنّه في بداية
الأمر يبعث في القلب شيئا من الخوف و الرهبة، الخوف الذي يكون أساسا للصحوة و لبدء
الحركة، و الرهبة التي تجعل الإنسان يتحسس مسئولياته المختلفة. ثمّ تأتي مرحلة
الهدوء و قبول آيات اللّه و تتبعها السكنية و الاستقرار.
هذه الحالة
التدريجية التي تبيّن مراحل (السلوك إلى اللّه) المختلفة، يمكن إدراكها بسهولة،
فالقلوب تقشعر فور ما تسمع آيات التهديد و التحذير النازلة على رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ تهدأ فور ما تسمع آيات الرحمة.
التفكير بذات
اللّه و مسألة أبديته و أزليته و عدم محدوديته يوجد عند الإنسان حالة من الرهبة في
كيفية معرفة اللّه، إلّا أنّ دراسة آثار و دلائل ذاته المقدسة في الآفاق و الأنفس
تمنح الإنسان نوعا من الارتياح و الهدوء [1].
و التأريخ
الإسلامي مليء بالشواهد على التأثير العجيب للقرآن في قلوب المؤمنين، و حتى غير
المؤمنين من أصحاب القلوب المستعدة لتقبل الإيمان، فالجاذبية أو النفوذ الخارق
للقرآن دليل واضح على أنّ القرآن كتاب نزل من السماء بواسطة الوحي.
و قد ورد
حديث عن (أسماء)، جاء فيه (كان أصحاب النّبي حقا إذا قرئ عليهم القرآن- كما نعتهم
اللّه- تدمع أعينهم و تقشعر جلودهم) [2].
أمير
المؤمنين عليه السّلام وصف هذه الحقيقة بأفضل وجه في الخطبة الخاصة بالمتقين، إذ
قال: «أمّا الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا،
[1]- (تقشعر) من مادة (قشعريرة) و قد ذكر
اللغويون و المفسّرون معاني مختلفة و متقاربة بعض الشيء، فالبعض قال: إنّها تعني
انكماش جلد البدن (حالة نصيب الإنسان أثناء خوفه) و البعض قال: إنّها الرجفة التي
تصيب الإنسان في حالة الخوف، و البعض الآخر قال: إنّها تعني وقوف شعر البدن، و في
الحقيقة فإنّ كلّ حالة من هذه الحالات ملازمة للأخرى.
[2]- تفسير القرطبي، المجلد الثامن، الصفحة
5693، عن التأثير العميق و الخارق لآيات القرآن، أوردنا روايات عديدة في ذيل الآية
92 من سورة آل عمران.