و هذه الكلمة
تشير إلى تكرار بحوثه المختلفة و قصصه و مواعظه، التكرار الذي لا يملّ منه
الإنسان، و إنّما على العكس من ذلك، إذ يتشوق لتلاوته أكثر، و هذه إحدى أسس
الفصاحة، إذ يعمد الإنسان أحيانا إلى التكرار و بصور مختلفة و أساليب متنوعة، و
ذلك إذا أراد التأكيد على أمر ما و جلب الانتباه إليه و التأثّر به، كي لا يملّ
السامع أو يضجر منه.
إضافة إلى
أنّ مواضيع القرآن المكررة تفسّر إحداها الأخرى، و تحل الكثير من ألغازه عن هذا
الطريق.
بعضهم
اعتبرها إشارة إلى تكرار تلاوة القرآن و بقائه غضا طريا من جراء تكرار تلاوته.
و البعض
الآخر اعتبرها إشارة إلى تكرار نزول القرآن، فمرّة نزل دفعة واحدة على صدر الرّسول
الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذلك في ليلة القدر، و مرّة أخرى بصورة
تدريجية استمرت لفترة (23) عاما.
و من المحتمل
أن يكون المراد من التكرار هو ملاءمة القرآن لكلّ زمان، و انكشاف بعض الأمور
الغيبية فيه بمرور السنوات.
و التّفسير
الأوّل أنسب من بقية التفاسير، رغم عدم وجود أيّ تعارض بين الجميع، بل من الممكن
أن تكون جميعها صحيحة [1].
أمّا
الخاصية الثّالثة فهي تقشعر منه الجلود
و هذه
الخاصية للقرآن فهي مسألة نفوذه و تأثيره العميقين و الخارقين
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ.
[1]- قال الزمخشري في الكشاف: إن (مثاني) يمكن
أن تكون جمع (مثنى) على وزن (مصلّى) و تعني المكرّر، و يمكن أن تكون جمع (مثنى)
على وزن (مبنى) من التثنية بمعنى التكرار، الكشاف، المجلد الرابع، الصفحة 123.