اللامتناهي بشأنّهم، و هل هناك فوز أكبر من أن يصلوا إلى قرب مقام الخالق؟
فكما يقول بخصوص الشهداء: بَلْ أَحْياءٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، كذلك يقول
بشأن المؤمنين ذوي الأعمال الصالحة: لَهُمْ ما
يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ.
و ليس غريبا أن تقول الآية في نهايتها:
ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.
و قد قلنا- مرارا- أنّه لا يمكن شرح نعم الجنّة من خلال الكلام، فنحن المكبلون
بقيود عالم المادة، لا نستطيع أن ندرك المفاهيم التي تتضمّنها جملة:
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ. فما ذا يريد المؤمنون؟ و ما هي الألطاف الموجودة في جوار قربه تعالى؟! و
عادة عند ما يقوم الخالق العظيم بوصف شيء ما بالفضل الكبير، فإنّ ذلك يكشف عن
مقدار العظمة بحيث يكون أعظم من كلّ ما نفكر به.
و بعبارة اخرى: سوف يصل الأمر بهؤلاء العباد الخلّص أنّه سيتوفر لهم كلّ ما
يريدونه، يعني سيظهر في وجودهم شعاع من قدرة الخالق الأزلية، أي إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ[1]، فهل
هناك فضيلة موهبة أعظم من هذه؟
و لبيان عظمة هذا الجزاء تقول الآية التي بعدها: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ.
يبشرهم حتى لا تصعب عندهم آلام الطاعة و العبودية و مجاهدة هوى النفس و الجهاد
حيال أعداء اللّه، و يقوم هذا الجزاء العظيم بترغيبهم و يعطيهم القدرة و الطاقة
الكبيرة لسلوك طرق الحياة المليئة بالصعوبات و المشاكل للوصول إلى رضا الخالق.
و قد يتوهم أن نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يريد جزاء و أجرا
على إبلاغ هذه الرسالة، لذا فإنّ القرآن يأمر الرّسول بعد هذا الكلام ليقول: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي حبّ اهل
بيتي.