«ولي» هنا بمعنى الصديق. و (حميم)
تعني في الأصل الماء الحار المغلي، و إذا قيل لعرق جسم الإنسان (حميم) فذلك
لحرارته، و لهذا السبب يطلق اسم «الحمّام» على أماكن الغسل، و يقال أيضا للأصدقاء
المخلصين و المحبين للشخص «حميم» و الآية تقصد هذا المعنى.
و ضروري أن نشير إلى أنّ قوله تعالى:
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ حتى و إن لم
تكن تعني أنّ الشخص لم يكن كذلك حقا، إلا أنّ ظاهره سيكون كذلك على الأقل.
إنّ هذا الأسلوب من التعامل مع المعارضين و الأعداء ليس بالأمر العادي السهل،
و الوصول إليه يحتاج إلى بناء أخلاقي عميق، لذلك فإنّ الآية التي بعدها تبين الأسس
الأخلاقية لمثل هذا التعامل في تعبير قصير ينطوي على معاني كبيرة، حيث يقول تعالى: وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا[2].
و كذلك: وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ.
على الإنسان أن يجاهد نفسه مدّة طويلة حتى يستطيع أن يسيطر على غضبه، يجب أن
تكون روحه قوية في ظلّ الإيمان و التقوى حتى لا يستطيع أن يتأثر بسرعة و بسهولة
بإيذاء الأعداء، و لا يطغى عنده حب الانتقام، فتلزمه الروح الواسعة و انشراح الصدر
بالمقدار الكافي، حتى يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من الكمال بحيث يقابل السيئات
بالإحسان. و عليه أن يتجاوز مرحلة العفو ليصل إلى منزلة «دفع السيئة بالحسنة» و أن
يحتسب كلّ ذلك في سبيل اللّه تعالى بغية تحقيق الأهداف المقدّسة.
و هنا أيضا- كما تلاحظون- تواجهنا قضية «الصبر» بوصف هذه الخصلة الأساس المتين
لكل الملكات الأخلاقية الفاضلة، و هي شرط في التقدم المعنوي