في الواقع إنّ الرحمة هي الصفة البارزة لهذا الكتاب السماوي العظيم، التي تتجسّد
من خلال آياته العطرة التي تفوح بشذاها و نورها فتضيء جوانب الحياة، و تسلك
بالإنسان مسالك النجاة و الرضوان.
بعد التوضيح الاجمالي الذي أبدته الآية الكريمة حول القرآن، تعود الآيات
التالية إلى بيان تفصيلي حول أوصاف هذا الكتاب السماوي العظيم، و ذكرت له خمسة
صفات ترسيم الوجه الأصلي للقرآن:
فتقول أوّلا: إنّه كتاب ذكرت مطاليبه و مواضيعه بالتفصيل كلّ آية في مكانها
الخاص، بحيث يلبّي احتياجات الإنسان في كلّ المجالات و الأدوار و العصور، فهو: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ[1].
و هو كتاب فصيح و ناطق قُرْآناً
عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
و هذا الكتاب بشير للصالحين نذير للمجرمين: بَشِيراً وَ نَذِيراً إلّا أنّ أكثرهم: فَأَعْرَضَ
أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ[2].
بناء على ذلك فإنّ أول خصائص هذا الكتاب هو أنّه يتضمّن في تشريعاته و تعاليمه
كلّ ما يحتاجه الإنسان و في جميع المستويات، و يلبي ميوله و رغباته الروحية.
الصفة الثانية أنّه متكامل، لأنّ «قرآن» مشتق من القراءة، و هي في الأصل بمعنى
جمع أطراف و أجزاء الكلام.
الصفة الثّالثة تتمثل بفصاحة القرآن و بلاغته، حيث يذكر الحقائق بدقّة بليغة
دون أي نواقص. و في نفس الوقت يعكسها بشكل جميل و جذّاب.
الصفتان الرابعة و الخامسة تكشفان عن عمق التأثير التربوي للقرآن الكريم، عن
طريق أسلوب الإنذار و الوعيد و التهديد و الترغيب، فآية تقوم بتشويق
[1]- «كتاب» خبر بعد الخبر، و بهذا
الترتيب فإنّ «تنزيل» خبر لمبتدأ محذوف و «كتاب» خبر بعد الخبر.
[2]- «لقوم يعلمون» يمكن أن تكون
متعلقة ب «فصلت» أو ب «تنزيل».