في حين ذهبت جماعة ثالثة إلى اعتبارها حالة من الفرح المتزامن مع نوع من الطرب
و الاستفادة من النعم الإلهية في طريق الباطل.
و الظاهر أنّ هذه المعاني جميعا تعود إلى موضوع واحد، ذلك أنّ شدّة الفرح و
الإفراط فيه يشمل جميع المواضيع و الحالات السابقة. و في نفس الوقت فهو يتزامن مع
أنواع الذنوب و الآثام و الفساد و الشهوة [1].
إنّ هذه الأفراح المتزامنة مع الغرور و الغفلة و الشهوة، تبعد الإنسان بسرعة
عن اللّه تبارك و تعالى و تمنعه من إدراك الحقيقة، فتكون الحقائق لديه غامضة و
المقاييس معكوسة.
و لمثل هؤلاء يصدر الخطاب الإلهي: ادْخُلُوا
أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ.
هذه الآية تؤّكد مرّة اخرى على أنّ التكبر هو أساس المصائب، ذلك أنّ التكبر هو
قاعدة الفساد، و يحجب البصائر عن رؤية الحق و يجعل الإنسان يخالف دعوة الأنبياء
عليهم السّلام.
ثم تشير الآية إلى أبواب جهنّم بقوله تعالى: أَبْوابَ جَهَنَّمَ.
و لكن هل الدخول من أبواب جهنّم يعني أن لكل مجموعة باب معين تدخل منه، أو أنّ
كلّ مجموعة منهم تدخل من أبواب متعدّدة؟
أي أنّ جهنّم تشبه السجون المخيفة التي تتداخل فيها الأبواب و الدهاليز و
الممرات و الطبقات، فبعض الضالين المعاندين يجب أن يسلكوا كلّ هذه الأبواب و
الممرات و الطبقات قبل أن يستقروا في قعر جهنّم.
و ممّا يؤيد هذا التّفسير ما
يروى عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام أنّه أجاب عن سؤال في تفسير قوله تعالى:
[1]- يقول الراغب في المفردات:
«الفرح: انشراح الصدر بلذة عاجلة، و أكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية. و المرح
شدة الفرح و التوسع فيه».