الاستمرار. و هذه إشارة إلى أنّ مثل هؤلاء الأفراد الذين يكذبون بآيات اللّه
لتبرير عقائدهم و أعمالهم السيئة المشينة، إنّما يقومون بالمجادلة بشكل مستمر من
خلال الأقوال و الذرائع الواهية.
و تنتهي الآية بتهديد من خلال قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أي سوف يعلمون نتيجة أعمالهم و عاقبة أعمالهم السيئة و ذلك في وقت إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ
يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ أيّ يلقي بهم
في الماء المغلي ثمّ فِي النَّارِ
يُسْجَرُونَ[1].
«يسجرون» من كلمة «سجر» على وزن «فجر»
و تعني إشعال النّار و زيادة لهيبها- كما ذهب إليه الراغب في مفرداته- أمّا
الآخرون من أرباب اللغة و التّفسير فيقولون: إنها تعني ملء التنور بالنار [2].
لذلك يذهب بعض المفسّرين إلى أنّ هذه المجموعة من الكفّار تصبح وقودا للنار،
كما نقرأ ذلك في الآية (24) من سورة البقرة: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ
الْحِجارَةُ.
البعض الآخر يقول: إنّ معنى الآية هو أنّ هؤلاء ستملأ النّار كلّ وجودهم و
تستوعب كامل كيانهم. (طبعا ليس ثمّة تعارض بين المعنيين).
هذا النوع من العقاب للمعاندين و المتكبرين و المجادلين يعتبر في الواقع
انعكاس لأعمالهم في هذه الدنيا، حيث كذّبوا بآيات اللّه بسبب كبريائهم
[1]- «الأغلال» جمع «غل» و تعني الطوق
حول العنق أو الرجل. و هي في الأصل مأخوذة من كلمة «غلل» على وزن «أجل» بمعنى
الماء الذي يجري بين الأشجار. و يطلق على «الخيانة» (غلول) و على الحرارة الناشئة
من العطش «غليل» و ذلك بسبب نفوذها تدريجا إلى داخل أعماق الإنسان.
«السلاسل» فهي جمع «سلسلة، و «يسحبون»
من كلمة «سحب» على وزن (سهو).
[2]- يلاحظ ذلك في «تفسير الصافي» و
«روح المعاني» و «الكشاف» في نهاية الآيات التي نبحثها. و في لسان العرب: المعنى
الأصلي ل «سجر» هو الملء. فيقال «سجرت النهر» أي ملأته ماء.