إنّ الهيكل الإنساني الخاص يؤهل الإنسان لإنجاز مختلف الأعمال من الصناعة و
الزراعة و التجارة و الإرادة، و هو بامتلاكه للأعضاء المختلفة يعيش مرتاحا مستفيدا
من مواهب الحياة و عطايا الخالق.
الإنسان على خلاف أغلب الحيوانات التي تشرب الماء بفمها، فإنّه يحمل المشروبات
و المأكولات بيديه، و يقوم بشرب الماء في منتهى الدّقة و اللطافة، و هذا الأمر
يجعل الإنسان أقدر على انتخاب ما يشاء من الأشربة و الأطعمة.
و يجعل ما يتناوله نظيفا غير مخلوط مع غيره. فهو مثلا يقشّر الفاكهة و يهذبها
قبل تناولها، و يرمي الأجزاء الزائدة.
لقد ذهب بعض المفسّرين في تفسير: وَ
صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ إلى معنى أوسع
من الصورة و الشكل الظاهري و التكوين الداخلي، فقال: إن المعنى يتضمن كل
الاستعدادات و الأذواق التي خلقها اللّه في الإنسان و أودعها فيه، ففضله بها على
كثير ممن خلق.
و في آخر الحديث عن سلسلة هذه العطايا و المواهب الإلهية، تتحدث الآية عن
النعمة الرّابعة، و هي الرزق الطيب بقوله تعالى: وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ.
«الطيبات» تشتمل على معنى وسيع جدّا،
و هي تشمل الجيد من الطعام و اللباس و الزوجة و المسكن و الدواب، و هي أيضا تشمل
الكلام و الحديث الطيب الزكي النافع.
الإنسان يقوم بسبب جهله و غفلته بتلويث هذه المواهب الطاهرة و الطيبات
اللذيذة، إلّا أنّ اللّه أبقى على نقائها و طهرها في عالم الوجود.
بعد بيان هذه المجموعة الرباعية من النعم الإلهية التي تتوزع بين الأرض و
السماء و بين خلق الإنسان، تعود الآية للقول: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُ