فإنّ عملية
خلق و نمو الجنين في بطن الأمّ تعدّ من أعجب و أدقّ صور خلق البارئ عزّ و جلّ، و
نادرا ما نلاحظ أنّ المطلعين على دقائق هذه القضايا لا تلهج ألسنتهم بحمد الخالق و
ثنائه.
و قوله
ظُلُماتٍ ثَلاثٍ إشارة إلى ظلمة بطن الأمّ و ظلمة الرحم و ظلمة
المشيمة (الكيس الخاص الذي يستقر فيه الجنين) التي هي في الحقيقة ثلاثة أغلفة
سميكة تغطي الجنين.
فالمصورون-
الآن- بحاجة إلى ضوء ساطع و نور من أجل التصوير، أمّا خالق الإنسان فيخطط في تلك
الظلمة بشكل عجيب و يصور بشكل يدهش العقول، و يمدّه بأسباب العيش في مكان لا يمكن
لأحد أن يوصل إليه رزقه الذي هو في أمسّ الحاجة إليه للنمو.
الإمام
الحسين عليه السّلام سيد الشهداء يقول في دعائه المعروف بدعاء عرفه، الذي يعدّ
دورة دراسية كاملة و عالية في التوحيد، يقول عند استعراضه للنعم التي منّ بها
الباري عزّ و جلّ عليه:
«و ابتدعت خلقي من مني يمنى، ثمّ أسكنتني في
ظلمات ثلاث: بين لحم و جلد و دم لم تشهدني خلقي، و لم تجعل إليّ من أمري ثمّ
أخرجتني إلى الدنيا تامّا سويّا» [1].
(ممّا يذكر أنّنا قد تطرقنا إلى عجائب خلق
الجنين و مراحل خلقه في ذيل الآية (6) من سورة آل عمران و في ذيل الآية (5) من
سورة الحج).
و في نهاية
الآية، بعد ذكر الحلقات التوحيدية الثلاث الخاصة بخلق الإنسان و الأنعام و مراحل
خلق الجنين، يقول البارئ عزّ و جلّ: ذلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ.