الأسلوب حيال دعوة موسى عليه السّلام، إذ تركتم البحث في أدلة نبوته و علائم
بعثته و رسالته، فابتعدت عنكم أنوار الهداية، و ظلت قلوبكم سوداء محجوبة عن إشعاعاتها
الهادية الوضّاءة.
الآية الكريمة التي تليها تعرّف «المسرف المرتاب» بقول اللّه تبارك و تعالى:
هؤلاء يرفضون آيات اللّه البينات من دون أي دليل واضح من عقل أو نقل، بل
يستجيبون في ذلك إلى أهوائهم المغرضة و وساوسهم المضلّة الواهية، كي يستمروا في
رفع راية الجدل و المعارضة.
و للكشف عن قبح هذه المواقف عند اللّه و عند الذين آمنوا، تقول الآية: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ
آمَنُوا[2].
ذلك لأنّ الجدال بالباطل (الجدال السلبي) و اتخاذ المواقف ضدّ الوقائع و
الآيات القائمة على أساس الدليل المنطقي، يعتبر أساسا لضلال المجادلين و تنكبهم عن
جادة الهداية و الصواب، و كذلك في إغواء للآخرين، حيث تنطفئ أنوار الهداية في تلك
الأوساط، و تتقوى أسس و دعائم حاكمية الباطل.
في النهاية، و بسبب عدم تسليم هؤلاء أمام الحق، تقرّر الآية قوله تعالى: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ
جَبَّارٍ[3].
أجل، إنّ العناد في مقابل الحق يشكّل ستارا مظلما حول فكر الإنسان، و يسلب منه
قابليته على التشخيص الهادي الصحيح، بحيث ينتهي الأمر إلى أن
[1]- (الذين) هنا بدل عن «مسرف مرتاب»
إلّا أنّ المبدل عنه مفرد، في حين أنّ البدل جاء على صيغة الجمع! السبب في ذلك أنّ
الخطاب لا يستهدف شخصا معينا و إنّما يشتمل على النوع.
[2]- فاعل «كبر» هو (الجدال) حيث
نستفيد ذلك من الجملة السابقة، أمّا «مقتا» فهي تمييز، فيما يرى بعض المفسّرين أنّ
الفاعل هو «مسرف مرتاب» إلّا أنّ الرأي الأوّل أفضل.
[3]- «متكبر جبار» وصف للقلب، و ليست
وصفا لشخص، بالرغم من أنّها مضافة. اشارة الى أنّ أساس التكبر و التجبر إنما ينبع
من القلب، و لأنّ القلب يسيطر على كلّ أعضاء و وجود الإنسان، فإنّ كلّ الوجود
الإنساني سيكتسي هذا الطابع الفاسد البذيء.