فكل عالم الوجود تحت حكومته و في قبضته، و لا منازع له في حكومته، و هذا بحد ذاته
ذليل على أنّ تحديد درجات العباد حسب أفضليتهم إنّما يتمّ بقدرته تعالى.
و بما إنّنا تحدثنا بالتفصيل عن «العرش» فلا حاجة هنا للتكرار.
و في وصف ثالث تضيف الآية أنّه هو تعالى الذي: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ
عِبادِهِ و هذه الروح هي نفس القرآن و مقام النبوّة و
الوحي، حيث تحيي هذه الأمور القلوب، و تكون في الإنسان كالروح بالنسبة لجسد
الإنسان.
إنّ قدرته من جانب، و درجاته الرفيعة من جانب آخر، تقتضي أن يعلن عزّ و جلّ عن
برنامجه و تكاليفه عن طريق الوحي، و هل ثمّة تعبير أجمل من الروح، هذه الروح التي
هي سرّ الحياة و الحركة و النشاط و التقدم.
لقد ذكر المفسّرون احتمالات متعدّدة لمعنى الروح، لكن من خلال القرائن
الموجودة في الآية، و ممّا تفيده الآية (2) من سورة «النحل» التي تقول: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى
مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا
فَاتَّقُونِ و كذلك ممّا تفيده آية (52) من سورة «الشورى»
التي تخاطب الرّسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و توضح له نزول القرآن و الإيمان
و الروح بقوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا
الْإِيمانُ من كلّ ذلك يتبيّن أنّ المقصود بالروح في
الآية التي نحن بصددها، هو الوحي و القرآن و التكليف الإلهي.
تفيد عبارة (من أمره) أنّ ملك الوحي المكلّف بإبلاغ هذه الروح، إنّما يتحدث و
يتكلّم بأمر اللّه لا من عند نفسه.
أمّا قوله تعالى: عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ
عِبادِهِ فلا تعني أنّ هبة الوحي تعطى لأي كان، لأن
مشيئته تعالى هي عين حكمته، و كل من يجده مؤهلا لهذا المنصب يخصه بهذا الأمر، كما
نقرأ في الآية (124) من سورة الأنعام حيث قوله تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ