و قالوا أيضا في الفرق بينهما: إن الجدال في القضايا العلمية، و المراء أعم من
ذلك.
و قالوا أخيرا: إنّ المراء ذو طابع دفاعي في قبال هجوم الخصم، بينما الجدال
أعم من الدفاع و الهجوم.
ب: الجدال السلبي و الإيجابي
يظهر من الآيات القرآنية أنّ للفظ الجدال معاني واسعة، و يشمل كلّ أنواع
الحديث و الكلام الحاصل بين الطرفين، سواء كان إيجابيا أم سلبيا، ففي الآية (125)
من سورة «النحل» نقرأ أمر الخالق تبارك و تعالى لرسوله الكريم صلّى اللّه عليه و
اله و سلّم في قوله تعالى: وَ
جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
و في الآية (74) من سورة «هود» نقرأ عن إبراهيم عليه السّلام: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ
الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ و الآية
تشير إلى النوع الإيجابي من المجادلة.
و لكن أغلب الإشارات القرآنية حول المجادلة تشير إلى النوع السلبي منها، كما
نرى ذلك واضحا في سورة «المؤمن» التي نحن بصددها، حيث أشارت إلى «المجادلة»
بمعناها السلبي خمس مرّات.
و في كلّ الأحوال يتبيّن أنّ البحث و الكلام و الاستدلال و المناقشة لأقوال
الآخرين، إذا كان لإحقاق الحقّ و إبانة الطريق و إرشاد لجاهل، فهو عمل مطلوب يستحق
التقدير، و قد يندرج أحيانا في الواجبات.
فالقرآن لم يعارض أبدا البحث و النقاش الاستدلالي و الموضوعي الذي يستهدف
إظهار الحق، بل حث ذلك في العديد من الآيات القرآنية.
و في مواقف معينة طالب القرآن المعارضين بالإتيان بالدليل و البرهان فقال: