و هنا يطرح هذه السؤال و هو: هل أنّ هذا القول صادر عن أهل الجنّة، أم أنّه
كلام اللّه جاء بعد كلام أهل الجنّة؟
المفسّرون وافقوا الرأيين، و لكنّهم رجحوا المعنى الأوّل الذي يقول: إنّه كلام
أهل الجنّة و يرتبط بالعبارات الأخرى في الآية.
و في النهاية تخاطب الآية- مورد بحثنا و هي آخر آية من سورة الزمر- الرّسول
الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قائلة: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يسبحون اللّه و يقدّسونه و يحمدونه.
إذ تشير إلى وضع الملائكة الحافين حول عرش اللّه، أو أنّها تعبر عن استعداد
أولئك الملائكة لتنفيذ الأوامر الإلهية، أو أنّها إشارة إلى خفايا قيمة تمنح في
ذلك اليوم للخواص و المقرّبين من العرش الإلهي، مع أنّه لا يوجد أي تعارض بين
المعاني الثلاثة، إلا أن المعنى الأوّل أنسب.
و لهذا تقول العبارة التالية وَ قُضِيَ
بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ.
و باعتبار هذه الأمور هي دلائل على ربوبية البارئ عزّ و جلّ و استحقاق ذاته
المقدسة و المنزّهة لكل أشكال الحمد و الثناء، فإنّ الجملة الأخيرة تقول:
وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
و هنا يطرح هذا السؤال: هل أن هذا الخطاب صادر عن الملائكة، أم عن أهل الجنّة
المتقين، أم أنّه صادر عن الاثنين؟
المعنى الأخير أنسب من غيره، لأنّ الحمد و الثناء على اللّه هو منهاج كلّ أولي
الألباب، و منهاج كلّ الخواص و المقربين، و استعمال كلمة (قيل) و هي فعل مبني
للمجهول يؤيد ذلك.