الآية
التّالية تؤكد مرّة اخرى على مسألة الإخلاص، و تقول: أَلا
لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ و هذه العبارة ذات المعنيين:
الأوّل: هو
أنّ البارئ عزّ و جلّ لا يقبل سوى الدين الخالص، و الاستسلام الكامل له من دون أيّ
قيد أو شرط، و لا يقبل أي عمل فيه رياء أو شرك، أو خلط للقوانين الإلهية بغيرها من
القوانين الوضعية.
و الثّاني:
هو أنّ الذين و الشريعة الخالصة يجب أخذها من اللّه فقط، لأن أفكار الإنسان ناقصة
و ممزوجة بالأخطاء و الأوهام.
و لكن وفق ما
جاء في ذيل الآية السابقة فإنّ المعنى الأوّل أنسب، لأن الذين يؤدون المطلوب منهم
بإخلاص هم العباد، و لهذا فإنّ هذا الخلوص في الآية مورد بحثنا يجب أن يراعى من
جانب أولئك.
و هناك دليل
آخر على هذا الكلام، و هو حديث
ورد عن
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، جاء فيه أن رجلا
قال لرسول اللّه: يا رسول اللّه! إنّا نعطي أموالنا التماس الذكر، فهل لنا من أجر
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا، قال: يا رسول اللّه! إنّا نعطي
التماس الأجر و الذكر، فهل لنا أجر؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم: «إن اللّه تعالى لا يقبل إلّا من أخلص له، ثمّ تلا هذه الآية:
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ[1].
و على أية
حال، فإنّ هذه الآية في الواقع استدلال للآية التي جاءت قبلها، فهناك تقول:
فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ و هنا تقول:
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ.
مسألة
الإخلاص تناولتها الكثير من الآيات القرآنية و الأحاديث الإسلامية، و بدء الجملة
مورد بحثنا ب (ألا) التي تستعمل عادة لجلب الانتباه، هو دليل آخر على أهمية هذا
الموضوع.
ثم تنتقل
الآية إلى إبطال المنطق الواهي الضعيف للمشركين الذين تركوا
[1]- روح المعاني، المجلد 23، الصفحة 212 ذيل
آيات البحث.