ولو لم يكن للموجودات عقل وإدراك متناسب معها لما كان هناك معنى لتسبيحها، بل
هي تدرك فتسبح وتقدّس وتحمد وتثني، لكنا لا ندرك تسبيحها وتقديسها وذكرها، أمَّا
الذي يتمتّع بحالة شهود عالم الباطن فيسمع تسبيح الموجودات ويفهمها.
الآية تندرج في أمثال القرآن طبقاً للتفسير الاول، لكنها تخرج عن موضوع بحثنا
طبقاً للتفسير الثاني.
الآية 31 من سورة الرعد التي وردت في تأثير القرآن شاهد على التفسير الاول،
وقد جاء فيها ما يلي:
في شأن نزول هذه الآية يرى بعض الفطاحل أنَّها نزلت جواباً على بعض مشركي مكة
حيث جلسوا خلف الكعبة واستدعوا الرسول صلى الله عليه و آله، فقدم إليهم أملًا في
هدايتهم.
قال له المشركون: إذا أردت أن نتّبعك فعليك إبعاد جبال مكة، لكي تتسع من خلال
ذلك أراضينا، وعليك كذلك تفجير الأرض وجعل ينابيع وأنهاراً فيها، فنغرس أشجاراً
ونزرع، فإنك- كما تزعم- لست أدنى من داود الذي سخّر اللَّه له الجبال وكانت تسبّح
معه [1]، أو
سخِّر لنا الريح تنقلنا إلى الشام نحلُّ مشاكلنا ونؤمّن حاجياتنا ونرجع في ذات
اليوم، كما سخَّره اللَّه لسليمان، وأنت- كما تزعم- لست أقل من سليمان، كما عليك
إحياء جدّك قصي (من أجداد قريش) أو أيّ شخص آخر من الموتى، لكي نسأله عمَّا تدعو
له من أنَّه حق أو باطل؛ لأن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى، وأنت- كما تزعم-
لست أدنى شأناً من عيسى.
عندها نزلت هذه الآية قائلة لهم: ما تقولونه صدر عن عناد ولجاجة لا سعياً
للايمان بالرسول، ويكفي الرسول صلى الله عليه و آله ما لديه من معاجز [2].
[1] كما ورد ذلك في الآية 79 من سورة
الأنبياء: «وسَخَّرنا مع داودَ الجِبالَ يُسَبّحنَ والطَّيْرَ وكُنَّا فَاعِلينَ»،
كما جاء ذلك في الآية 18 و 19 من سورة (ص).