هل يجوز لنا أن نمثّل لذات الخالق تعالى ونشبِّه ذلك الموجود المعنوي الواجب
الوجود بموجودات مادية ممكنة الوجود؟
الجواب بالايجاب والسلب معاً، فلا إشكال في التمثيل وفقاً لما جاء في الآية
الكريمة، فإنَّ اللَّه نفسه مثّل لذاته، لكن التمثيل ممنوع كذلك وفقاً لما جاء في
الآية 74 من سورة النحل، فقد جاء هناك:
«فَلا تَضْرِبُوا للَّهِ الأمثالَ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنتُمْ لا تَعْلَمُونَ».
وإذا كان التمثيل ممنوعاً وفقاً لما جاء في الآية الأخيرة لماذا مثَّل القرآن
لذات اللَّه في الآية 35 من سورة النور؟
جاء الجواب على هذا السؤال في ذيل الآية 74 من سورة النحل، فقد ورد هناك: «إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»، أي أنَّه لا مانع من التمثيل للَّهمن قبل اللَّه نفسه،
أمَّا التمثيل له من قبلكم فلا يجوز؛ لأنكم لا تعلمون بما تمثّلون به، فقد تمثّلون
لذاته بما يثبت النقص له، بينما هو لا يمثِّل لذاته إلَّاالتمثيل المناسب؛ لأنَّه
يعلم بذاته والانسان لا يعلم بها.
شأن نزول الآية 74 من سورة النحل هو أن المشركين كانوا يبرّرون عبادتهم
للأصنام بالقول بأنَّ اللَّه بمثابة الملك والأصنام بمثابة وزراء له، وبما أنَّه
لا يمكن الوصول إلى الملك فنقترب إلى الوزراء ونتمسك بهم تقرُّباً إلى الملك [1].
نزلت هذه الآية لردِّ التبرير المتقدِّم، معلنة منع التمثيل لذات اللَّه على
الاطلاق، مغلِّطة ذلك التمثيل؛ وذلك باعتبار أنَّ الملك أو أي انسان آخر موجود
ضعيف ومحدود من حيث الزمان والمكان، فلا يمكن للجميع الوصول إليه، أما اللَّه
العالم والقادر فهو موجود وحاضر في كل مكان وزمان وفي قلب كل انسان، وهو أقرب إليه
من حبل الوريد، والاتّصال به ممكن وسهل للجميع، بل أسهل من الاتّصال بالام والأب
والزوج والأخ والاخت والولد؛ وذلك لأنه غير محدود ويمكن مناجاته وخطابه في كل لحظة
وآن، وفي النوم واليقظة، وعند القيام والقعود، وفي الصحاري والبوادي، وفي الشوارع،
وتحت أي ظرف من الظروف.