ويمكن أن
يقال : إنّ شرط الإذن من الحاكم الشرعي لدفع التنازع ، كشرط العدالة في الوصيّ
المنصوص للثقة وقبول خبره ، لا لنفوذ الأمر واقعاً ، فإن تصدّى الوصيّ الفاسق ولم
يفسد ، جاز عمله واقعاً بينه وبين الله وإن لم يكف إخباره ولم يقبل القاضي الشرعي
عمله ظاهراً إلاّ أن ينظر فيه فيرى إجازة الفضولي ، وكذلك إذا تصدّى رجل أمر
اليتيم وأصلح ولم يستأذن الحاكم ولم يقع تنازع وتخاصم ، جاز أمره واقعاً ، وإنّما
يكون إذن الحاكم لحفظ النظام ودفع التنازع ، ولا يختلّ بعدمه شرط من شروط البيع.
والظاهر هو الأوّل ، وإن غيّر المأذون لا ينفّذ عمله مطلقاً.
واستدلّ
الشيخ المحقّق الأنصاري رحمهالله بمرسلة الاحتجاج وفيها : أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها
إلى رواة. انتهى. والمرسل لا يحتجّ به و « الحوادث الواقعة » مجمل لا نعرفها ولا
نعرف مقصود السائل من سؤاله ولا معنى الرجوع ، وهل هو لما يعتقده الشيعة من وجود
المعصوم في كلّ عصر واحتياجهم إليه أو للإذن في التصرّف في مال الأيتام والقاصرين؟
والأول أظهر ؛ لأنّهم كانوا يرون الحاجة إلى السؤال عمّا أشكل عليهم من المسائل
دائماً ، حتّى أنّ الصغار مع علمه وجلالته كاتب العسكريّ عليهالسلام مراراً ، والسائل لمّا توحّش من الغيبة ؛
أعني الغيبة الصغرى ؛ لعدم وصولهم إلى الإمام عليهالسلام
بالسهولة ، سأل عن تكليفهم في هذا الحال ، وليس السؤال عن حال الغيبة الكبرى ؛
لأنّ السائل كان قبل ذلك بنحو من أربعين سنة ، فأجاب عليهالسلام بأنّ في أيدي العلماء ما يكفيهم من الأحاديث.
وقال
الشيخ المحقّق الأنصاريّ : إنّ مثل إسحاق بن يعقوب ـ أي السائل في هذه المكاتبة ـ لم
يكن يخفى عليه الرجوع إلى العلماء بالاستفتاء ، فليس سؤاله عنه.
وفيه : أنّا
لا نعرف إسحاق بن يعقوب ، ولا ذكر له في كتب الرجال ، ولا نعرف أنّه ممّن يخفى عن
مثله هذه الامور أو لا يخفى ، ولعلّ الشيخ اطّلع على حاله فيما لم يطّلع عليه من
الكتب. وثانياً أنّ الاحتياج إلى الإمام عليهالسلام
في مذهبنا واضح مركوزاً في الأذهان ، ونعتقد أنّه لا بدّ في كلّ عصر من حجّة معصوم
، ولا يكفي وجود العلماء عن الحجّة ، ولمّا كان أوّل أمر الغيبة ولم يكن جميع
الناس يعرف حكمتها ، سأل سائل عن الحجّة في زمان الغيبة الصغرى ؛ فإنّ غيبته عليهالسلام كعدمه ظاهراً في أنّه يتعطّل الأحكام ، والمذهب
وجود الحجّة في كلّ عصر لرجوع الناس إليه ، وليس هذا السؤال بعيداً حتّى من أعاظم
العلماء ، فضلاً عن إسحاق بن يعقوب الذي لا نعرفه ولعلّه كان من عامّة الناس ، فالدليل
على ولاية الفقيه ضرورة العقل إلى تصدّي رجل لأموال القاصرين ؛ لئلاّ يهملوا ولا
يتنازع الناس في تولّي امورهم ، والفقيه العادل أولى بذلك من غيره ، ويجعل مقبولة
عمر بن حنظلة وأمثالها مؤيّدة ، بل يكفي في ذلك الإجماع المنقول ؛ لتوفّر القرائن
على صحّته ».
[٢]
الكافي ، كتاب الوصايا ، باب صدقات
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ... ، ضمن الحديث الطويل
١٣٢٧٦ ، بسند آخر عن أبي الحسن موسى ، عن أمير المؤمنين عليهماالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ الأمالي للطوسي ، ص ٥٢٢ ، المجلس ١٨
، ح ٦٢ ، بسند آخر
اسم الکتاب : الکافی- ط دار الحدیث المؤلف : الشيخ الكليني الجزء : 9 صفحة : 694