ولمّا كان البناء قد
يستعمل لغير المبنيّ- كما أنّه قد يطلق على المعنى المقابل للهدم، وقد يطلق على
النَطْع وغير ذلك- أردفه بقوله: «مبنيّ» فإنّ الناظر إلى البناء المطوّل المستحكم
العالي يعلم أنّ له بانياً وإن لم ير الباني ولم يشاهده.
وقوله: «فما هو؟» إمّا
سؤال عن حقيقته بالكُنه كما هو الظاهر، وحينئذٍ ففي الجواب إشارة إلى أنّه لا يعرف
بكنهه إنّما يعرف بوجه يمتاز به عن جميع ما عداه كما في قوله تعالى حكاية عن فرعون
وموسى عليه السلام: «قالَ [فِرْعَوْنُ] وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ
السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ .... قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ
إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ»[1] لتوهّمه أنّ
الجواب غير مطابق للسؤال.
أو سؤال عن حقيقته
بالوجه الذي يمتاز به عن جميع ما عداه.
وعلى التقديرين فالجواب
بيان الوجه الذي به الامتياز[2] عمّا عداه
وهو أنّه «شيء بخلاف الأشياء» ليس مثل الحقائق الممكنة المعلولة لا في ذاته، ولا
في صفاته الحقيقيّة، ولا في نحو اتّصافها بالصفات.
وقوله عليه السلام:
«أرجع» على صيغة المتكلّم وحده.
وقوله: «بقولي» وهو أنّه
شيء بخلاف الأشياء «إلى إثبات معنىً» أي إلى إثبات موجودٍ في الخارج ومقصودٍ
باللفظ فيه «و» إلى «أنّه شيء بحقيقة الشيئيّة» يعنى أقصد بهذا القول أنّه ذات
موجودة في الخارج، وشيء بحقيقة الشيئيّة؛ يعني أنّ حقيقة الشيئيّة عين ذاته
تعالى، فهي شيئيّة قائمة بذاتها، كما أنّ حقيقة الوجود المجهول الكنه المعلوم
بالوجه بديهة عينه تعالى وهو وجود قائم بنفسه، فهو تعالى شيء بحقيقة الشيئيّة
التي هي عينه كما أنّه موجود بحقيقة الوجود الذي هو عينه بخلاف ما عداه من
الممكنات المعلولة فإنّه شيء بالانتساب