جارية الزهراء صلّى اللّه عليها، ما تكلّمت منذ عشرين سنة
إلّا بالقرآن[1].
[كلام للمؤلّف رحمه
اللّه]
قلت: يا أصحاب الفكر
الصائب، و النظر الثاقب، و القلب السليم، و اللبّ المستقيم، تفكّروا في هذه النفس
الّتي قدّسها اللّه و طهّرها و أطلعها على أسرار كلامه، و طهّرها و شرّفها بخدمة
اولي نهيه و أمره، و أطلعها ببركات فضلهم على مكنون سرّه، و جعل قلبها مشكاة نور
حكمته، و باطنها مرآة كمال معرفته، و أسكن حبّه سويداء فؤادها، و جعل ذكره أقصى
مرادها، فصارت لا تنطق إلّا بكلامه المجيد، الّذي (لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ
حَمِيدٍ)[2].
و أذهب عنها كلفة
المشقّة في استنباط غرائبه، و إعمال الفكرة في إظهار عجائبه، و جعل جبلتها مطبوعة
عليه، و فكرتها مصبوبة لديه، ينبي عن مقاصدها بوجيز كلماته، و يخبر عن مطالبها
بعزيز آياته، فهو في لوح نفسها مسطور، و في رقّ علمها منشور، فكأنّه روضة أنيقة
بين يديها، أو جنّة يانعة تهدّلت أغصانها عليها، تلتقط ما شاءت من أزاهير هذه و
أنوارها، و تقتطف ما أرادت من فواكه تلك و ثمارها، لمّا أخلصت للّه بطاعتها، و
عظّمت ما عظّم اللّه من جلالة سيّدتها، و علمت أنّ اللّه سبحانه عصمها و صفاها، و
على نساء العالمين اصطفاها، و جعل والدها كلمته التامّة في خلقه، و بعلها لسانه
الناطق بحقّه، و ذرّيّتها أولياءه على عباده، و عترتها امناءه في بلاده، لا يقبل
اللّه عمل عامل إلّا بولايتهم، و لا يدخل الجنّة إلّا مستمسكا بعروة محبّتهم،
تشاركهم في إخلاص الطاعة لمعبودهم، و ساوتهم في وفاء نذورهم و عهودهم، فأدخلها
سبحانه في
[1] مناقب ابن شهرآشوب: 3/ 343- 344، عنه البحار:
43/ 86- 87.