نضطر حينئذ ـ لإثبات
الاثنينية ـ إلى أن نعتبر كل واحد منهما « متناهياً » من جهة أو جهات ، ليمكن أن
نقول : هذا غير هذا.
لأنّ ذينك الشيئين إذا كان أحدهما عين
الآخر من كل الجهات لم يصدق ـ حينئذ ـ كونهما اثنين ، أي لم تصح الاثنينية.
وبعبارة أُخرى : انّ نتيجة قولنا : هذا
غير ذاك. هي أنّ وجود كل واحد منهما خارج عن وجود الآخر ، وإنّ الثاني يوجد حيث لا
يوجد الأوّل ويوجد الأوّل حيث لا يوجد الثاني ، وهذه هي « المحدودية » و « التناهي
» ، في حين أنّنا أثبتنا في الأصل الأوّل : « عدم محدودية الله وعدم تناهيه ».
ومن باب المثال نقول : إنّما يمكن
افتراض خطين غير متناهيين في الطول إذا كانا متوازيين ( أي كانا بحيث لا يشغل
الأوّل مكان الثاني ) ، ففي مثل هذه الصورة فقط يمكن افتراض اللانهائية
واللامحدودية في كل من الخطين.
أمّا عندما نفترض جسماً غير متناه في
الكبر والسعة في جميع أبعاده فإنّه لا يمكن ـ حينئذ ـ أن نفترض وجود جسم آخر غير
متناه في الكبر والسعة في جميع أبعاده على غرار الجسم الأوّل.
لأنّ المفروض أنّ الجسم الأوّل لكونه «
غير محدود » في الكبر والسعة ، شغل كل الفضاء ، وبهذا لم يترك أي مجال لجسم آخر ،
وإلاّ لعاد الجسم الأوّل « محدوداً » وهو خلاف ما افترضناه.
وحينئذ إمّا أن يكون الجسم الثاني عين
الجسم الأوّل قطعاً ، وإمّا أن يكون الجسم الأوّل محدوداً من جهة أو من جهات.
وهكذا الأمر في الحقيقة الإلهية التي لا
حد لها ولا نهاية.