فتذهب المدرسة الأُولى إلى أنّ الشمس
والنار والسيف غير مؤثرة إطلاقاً ، وغير دخيلة مطلقاً في وجود النور والحرارة
والقطع ، بل انّ عادة الله هي التي جرت على أن يوجد الله النور بعد طلوع الشمس ،
والحرارة عند حضور النار ، والقطع عند حضور السيف ، وإن لم تكن لهذه الأشياء [ أي
الشمس والنار والسيف ] أيّة مشاركة في إيجاد هذه الآثار ووقوعها.
ولا شك أنّ هذه النظرية مرفوضة في نظر
العقل ومنطق القرآن [١].
فبينما تنفي مدرسة الأشاعرة دور العلل
ومشاركتها رأساً ، تذهب المدرسة الثانية ( القائلة بالتوحيد الافعالي ) إلى
الاعتراف بأنّه لا مؤثر حقيقي في الوجود إلاّ « الله » [٢] ولكن مع الاعتراف ـ إلى جانب ذلك ـ
بدخالة « العلل » في إيجاد « الآثار » ، مستمدة هذه القدرة على التأثير من ذلك
المؤثر الحقيقي الواحد ، ونعني « الله » سبحانه وتعالى.
ولهذا يغدو أي اعتقاد بالثنوية أو
التثليث مرفوضاً في منطق هذه المدرسة.
وبهذا يتبيّن أنّ القائلين بأنّ الإنسان
محتاج إلى الله في أصل وجوده ، ولكنه مستغن عنه تعالى في أفعاله ومستقل في تأثيره
، قد سقطوا في الشرك من حيث لا يعلمون ، ذلك لأنّهم بمثل هذا الاعتقاد يكونون قد
اعترفوا ـ في الحقيقة ـ بمؤثرين أصيلين مستقلين غنيين وخرجوا بذلك عن إطار «
التوحيد الافعالي » !!
[١] فالقرآن يصرح
بتأثير العلل الطبيعية في معاليلها حيث يقول : (يُنبِتُ
لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ) ( النحل :
١١ ) فإنّ قوله (بِهِ) صريح في
تأثير الماء في إنبات هذه الثمار ، وسيوافيك تفصيل القول في ذلك عند البحث في
التوحيد الربوبي.
[٢] الاعتراف
بوحدانية المؤثر في صفحة الوجود لا ينافي القول بتأثير العلل الطبيعية في
معاليلها.