اسم الکتاب : مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة المؤلف : الصّغير، محمد حسين علي الجزء : 1 صفحة : 126
فإن نسبة إيتاء الأكل الى الشجرة مجازية
، لأن المؤتي هو الله تعالى ، ولكن الأكل هنا حقيقة ، وهو ثمرة الشجرة فكان أحد
الطرفين مجازيا والثاني حقيقيا.
وعليه يحمل قوله تعالى في نموذجين
مختلفين بآية واحدة ، وهو قوله تعالى :
( بلى من كسب سيئة
وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون(٨١))[١].
( فكسب ) و ( أحاطت ) كلاهما مجازان ، و
( سيئة ) و ( خطيئة ) كلاهما حقيقيان ؛ ونسبة الكسب الى الإنسان في السيئات مجازية
، لأن السيئات ليس مما يكتسب به الإنسان حقيقة ، ولا هي قابلة لهذا الإعتبار ، إلا
أنها استعملت ونسبت عقليا بحكم الإسناد ، وكأن صاحبها قد عمل فكان كسبه خسرانا لأن
نتيجة هذا الكسب هو السيئات ، وكذلك الحال بالنسبة لإسناد الإحاطة بالخطيئة ، فالإحاطة
تتطلب مكانا ومحلا يمكن الأستدارة عليه كإحاطة الخاتم بالأصبع ، أو السوار باليد ،
أو السجن بالسجين ، وهكذا ، فكان الأول مجازا والثاني حقيقة ، واكتشف المجاز
العقلي من اقتران الطرفين.
٣ ـ قرينة المجاز العقلي في القرآن
وانتشار المجاز العقلي في القرآن يوحي
بأصالة كنهه البلاغي دون ريب في نص هو أرقى النصوص العربية على الإطلاق ، وهو وإن
كان متعلقا بالإسناد الجملي لا بألفاظ مجردة ، ولكن لا بد من قرينة تدلنا على
إرادة الاستعمال المجازي دون الحقيقي ، وقد قسموا هذه القرينة الدالة على ذلك الى
:
١ ـ قرينة لفظية ، وتستفاد من إطلاق
اللفظ فتدرك بها موضع المجاز باعتبارات لفظية تنطق بها الكلمات ، حتى أنك بعد
التحقيق لا يخامرك شك في إرادة المجاز ، وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم :