حكم الحاكم من هذا القبيل , فإنه لا يوجب بطلان الدعويين واقعا وحقيقة , وإنما يحكم ببطلانهما عملا , بمعنى أنه لا يجور للمدعي مطالبة المنكر , ولا الدعوى عليه , ولا النزاع معه , وإن كان المدعى به على ما هو عليه , لا تغيير فيه ولا تبديل.
وبالجملة : المدعى به باق على ما هو عليه موضوعاً وحكماً , إلا في هذه الجهة. وهي جواز المطالبة فيه والادعاء والنزاع , نظير ما ذكرنا من المثال. فدليل نفوذ الحكم مخصص لدليل آثار الواقع في غير الأثر المذكور , فيخرجه عن الدليل مع بقاء عموم الدليل لسائر الآثار الأخرى. إذ من جملة الأحكام الواقعية للمال مثلا جواز المطالبة , فإذا حكم الحاكم انتفى الحكم المذكور واقعاً , وبقيت الأحكام الأخرى بحالها , وكذا بالنسبة إلى سائر موارد الدعاوي. وحينئذ لا مانع من جواز الحكم في مورد التحالف , مع العلم الإجمالي بمخالفته للواقع في إحدى الدعويين , بل بناء على القول بعدم جواز القضاء بعلم الحاكم وتعين الرجوع إلى البينة واليمين , نقول : يقضي بالبينة أو اليمين , وينفذ قضاؤه وإن علم بمخالفته للواقع. فالمحذور المذكور لا يصلح للمنع , إذ لا مانع من تخصيص دليل الآثار بغير جواز المطالبة.
الثالث : أن حكم الحاكم من قبيل الامارة بالنسبة إلى من عداه من المكلفين فيكون طريقاً إلى ثبوت مؤداه في جميع الآثار غير الأثر المقصود , فيجب على جميع المكلفين ترتيب آثار المحكوم به ظاهراً , ويكون حجة على ذلك لما دل على عدم جواز رده ووجوب قبوله , مثل ما في مقبولة عمر بن حنظلة من قول الصادق (ع) : « فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله تعالى , وعلينا رد. والراد علينا الراد على الله تعالى , وهو على حد الشرك بالله تعالى » [١]فيترتب عليه أحكام الأمارات من الحجية
[١] الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ١.
اسم الکتاب : مستمسك العروة الوثقى- ط بیروت المؤلف : الحكيم، السيد محسن الجزء : 12 صفحة : 182