الأول : في أن الحكم الصادر من الحاكم ليس حكماً واقعياً عندنا , لما يستفاد من النصوص : مثل قول أبي عبد الله (ع) في صحيح هشام ابن الحكم : « قال رسول الله (ص) : إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان , وبعضكم ألحن بحجته من بعض , فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً , فإنما قطعت له به قطعة من النار » [١]. فإنه كالصريح في أن حكم الحاكم لا يغير الواقع ولا يبدله الى حكم آخر , فاذا حكم ببطلان الدعوى لم يكن ذلك موجباً لبطلانها واقعا , بل الواقع بحاله.
ولأجل ذلك يقع الكلام في الأمر الثاني وهو : أنه إذا كان الأمر الواقعي بحاله باقياً , يقع الإشكال في جواز الحكم في مورد التحالف , للعلم بمخالفته للواقع , فكيف يجوز له الحكم ببطلان كلتا الدعويين , مع العلم بأن إحداهما ثابتة في الواقع؟! فالحكم المذكور مع هذا العلم حكم على خلاف الواقع. وقد تعرضوا لدفع الاشكال المذكور بوجوه مذكورة في مباحث حجية القطع.
ولعل الأسد أن يقال : إن ما دل على لزوم حسم النزاع , والمنع من وقوع الفساد المترقب منه , اقتضى جواز الحكم المذكور وإن كان على خلاف الواقع. مثل ما إذا توقف دفع اللص على دفع مقدار من المال إليه , فإن وجوب الدفع لا يقتضي استحقاق اللص للمقدار المدفوع اليه , ولا يخرج المدفوع من ملك مالكه , ولا عن تحريم التصرف فيه بغير إذنه , فيحرم على اللص التصرف فيه , ويجب إرجاعه إلى الدافع , وإن وجب دفعه اليه وتمكينه منه , لدفع ضرره واتقاء شره , مع بقاء المدفوع على ملك مالكه , وترتب جميع احكامه عليه. ففي المقام يكون
[١] الوسائل باب : ٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.
اسم الکتاب : مستمسك العروة الوثقى- ط بیروت المؤلف : الحكيم، السيد محسن الجزء : 12 صفحة : 181