اسم الکتاب : أعلام الدين في صفات المؤمنين المؤلف : الديلمي، حسن بن محمد الجزء : 1 صفحة : 252
التهديد ، ويسكنونه
في دار ضيقة الأرجاء ، مظلمة المسالك ، مبهمة المهالك ، فعند ذلك يندمون على ما
فرطوا في جنب الله فلا ينجيهم الندم ، ولا ينفعهم الأسف ، بل يكبون على وجوههم من
فوق النار ، فهم بين مقطعات النار وسرابيل القطران ، يتحطمون في دركاتها ، ويضطربون
بين غواشيها ، تغلي بهم النار كغلي القدور ، وينادون بالويل والعويل ، ومهما دعوا
بالثبور صب فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ، فمن كان من أهل
الشفاعة أدركته ، لقوله صلى الله عليه : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائرمن أمتي ».
وقوله عليهالسلام
: « يخرجون من النار بعد ما يصيرون حمماً [١]
وفحماً » ومن كان من أهل الخلود ، فالويل له بالعذاب الدائم المقيم ، نعوذ بالله
من ذلك.
واعلم أن تلك الدار التي عرفت غمومها
وهمومها ، يقابلها دار اُخرى وهي الجنة ، فإن من بعد منها استقر لا محالة في جهنم
، فاستشعر الخوف في قلبك بطول الذكر في أهوال الجحيم ، واستثر الرجاء بطول الفكر
في النعيم المقيم ، الموعود لأهل الاحسان ، وسق نفسك بسوط الخوف ، وقدها بزمام
الرجاء إلى الصراط المستقيم ، فبذلك تنال الملك العظيم ، وتسلم من ألعذاب الأليم.
فتفكر في أهل الجنة ، في وجوههم نظرة
النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك ، جالسين على منابر من الياقوت الأحمر ، في
خيام من اللؤلؤ الرطب الأبيض ، فيها بسط من العبقري الأخضر ، متكئين على أرائك
منصوبة على أطراف أنهار مطردة بالخمر والعسل ، محفوفة بالغلمان والولدان ، مزينة
بالحور العين من الخيرات الحسان ، كأنّهنّ الياقوت والمرجان ، لم يطمثهن إنس قبلهم
ولا جان ، يمسون [٢]
في درجات الجنان. إذا اختالت في مشيها ، حمل أعطافها سبعون ألفاً من الولدان ، عليها
من طرائف الحرير الأبيض ما تتحير فيه الأبصار ، مكلّلاً بالتيجان المرصّعة باللؤلؤ
والمرجان ، كَحلات غنجات [٣]
عطرات آمنات من الهرم البؤس ، ومقصورات في قصور من الياقوت ، نبتت وسط روضات
الجنات ، قاصرات الطرف عين ، ثم يطاف عليهم وعليهن بأكواب وأباريق وكأس من معين ، بيضاء
لذة للشاربين.
[١] الحمم : الرماد والفحم وكل ما احترق في النار « الصحاح ـ حمم ـ ٥ : ١٩٠٥ ».