اسم الکتاب : الرّفق في المنظور الإسلامي المؤلف : الخزاعي، أبو زلفى الجزء : 1 صفحة : 22
والملاحظ في هذه الآية المباركة أن الله
سبحانه استخدم لفظة الهجر ولم يستخدم مكانها لفظة الترك ، ولعل الأمر يعود
إلى أن الترك يعني التخلي تماماً عنهم ، بينما الهجر يحمل معه معنى امكانية
الرجوع إليهم والتبليغ فيهم مرة ثانية ، ولأجل هذه الاحتمالية يلزم أن
يكون الهجر جميلاً ؛ لأنهم في حاجة إلى المعاودة والنصح والارشاد الذي لا
يتحقق مع تواصل الهجر المستمر بلا انقطاع. ومن هنا يعلم أنّ رحمة الله عزَّ
وجل لا يمكن تصور حدودها ، فهي شملت حتى من يسيء إلى مقام الرسل والانبياء
، أملاً أن يصلُحوا في مستقبل أيامهم ويعودوا إلى حضيرة الإسلام لينهلوا
من آدابه ويتخلقوا بمكارم أخلاقه.
ولا
يخفى ما في ذلك من عبرة عظيمة ، وموعظة جليلة ، إذ يمكن للمسلم الرسالي أن
يستثمر الصبر على الاذى والهجر الجميل ؛ ليحصد ما يحمد عقباه.
الآية الخامسة : ( ادفع
بالَّتي هي أحسن )
(وَلا
تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[١]
في هذه الآية المباركة يتبين لنا حكم
الله جلّ جلاله في المجالين : التكويني والتشريعي ، عند التفريق بين الحسن
والحسنة من جهة ، والسيء والسيئة من جهة اُخرى ؛ إذ إنّ إرادته سبحانه شاءت
أن تكون الطبيعة ويكون العقل شاهدين على التفاوت بين الاثنين ، وإلاّ كان
الحسن والقبيح على حدٍ سواء ، والمحسن والمسيء بمنزلة واحدة ، وواقع الحال
ليس كذلك ؛ إذ عدم التساوي بين الحسنة والسيئة