و منه يظهر حال الأمر الرابع فلو لم يمتثل العبد لا يلزم الكذب لأنّ الإرادة الجدّية لم تتعلّق بالإخبار عن وجود الشيء بل تعلّقت بانشاء البعث، و المفروض تحقّقه، ولا يضرّ عدم تحقّق المخبر عنه، لعدم تعلّق الإرادة الجدّية بالإخبار و إنّما تعلّقت بالبعث و إنشاء الطلب و هو متحقّق و هذا هو المقصود من كلامهم من أنّ العبرة في وصف الكناية بالصدق والكذب إنّما هو المعنى المكنّي عنه، لا المكنّي به فإذا قال: زيد جبان الكلب، فلو كان زيد جواداً، كان صادقاً و إن لم يكن له كلب أو كان و لم يكن جَباناً، و إن كان بخيلاً، كان كاذباً و إن كان له الكلب بالوصف المذكور.
و أمّا الأمر الثاني: أي كونها ظاهرة في الوجوب فلأجل أنّ الإخبار عن وجود الشيء في المستقبل بداعي البعث، يكشف عن شدّة علاقة المولى بالمراد إلى حدّ يراه موجوداً و محقّقاً في الخارج حيث يخبر عن وجوده و يأتي بجملة تشعر بالملازمة بين العبد و الفعل، فيكون حاكياً عن الوجوب والإرادة الحتمية.
و لك أن تقول إنّه مقتضى الإطلاق بعد افتراض دلالتها على الطلب، لما عرفت من أنّ الطلب على وجه الإطلاق يساوق الوجوب في نظر العرف، و الندب هو الطلب المقيّد. و قد نبّه بذلك المحقّق الخراساني في المقام و كان عليه أن ينبّه بذلك في المبحث المتقدّم، مع أنّ الظاهر منه هناك أنّه جعل الوجوب مدلولاً لفظياً لصيغة الأمر بخلاف المقام حيث جعله مدلولاً لمقتضى الإطلاق.
وأمّا الأمر الثالث: فيظهر ممّا سبق لأنّ الجملة حاكية عن أنّ شدّة العلاقة بالموضوع، دفعت المولى إلى حدّ يراه موجوداً في الخارج فيخبر عنه على وجه القطع و البتّ و إن كان الإعلام كناية عن البعث نحو المطلوب و قد نبّه بذلك علماء البلاغة في كتبهم.