اسم الکتاب : البدعة مفهومها ، حدها وآثارها ومواردها المؤلف : السبحاني، الشيخ جعفر الجزء : 1 صفحة : 370
طلب موسى لما كان نتيجة ضغطٍ من قومه، دون طلب نوح، صار الاختلاف في
مبدأ الطلبين، سبباً لاختلاف الخطابين فخوطب نوح بخطاب عتابي دون
موسى ( عليهما السلام ) وإن كان العتاب على ترك الاَُولى.
الآية الثانية: الحسنى والزيادة:
(«للَّذِينَ أحسنوا الحُسنى وزيادةٌ ولا يَرهَقُ وُجوهَهُمْ قَتَـرٌ ولا ذِلّةٌ وأُولئكَ
أصحابُ الجنّةِ همْ فِيها خالدونَ») (يونس ـ 26) .
فقد فسّـرت الحسنى بالجنّة، و «الزيادة» بالنظر إلى وجه اللّه الكريم،
روى مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي قال: إذا أُدخل أهل الجنة قال اللّه
تبارك وتعالى تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ ألم تُدْخِلْنا
الجنّة وتُنْجِنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من
التنظّر إلى ربّهم عزّ وجلّ، وفي رواية ثم تلى («للَّذينَ أحسنوا الحسنى
وزيادة»)[ 1 ].
إنّ القرآن الكريم كتاب عربي مبين وهو تبيان لكل شيء كما هو مقتضى
قوله سبحانه: («ونزَّلنا عليكَ الكِتاب تِبياناً لِكلِّ شيءٍ») (النحل ـ 89) وحاشا أن
يكون تِبياناً لِكلِّ شيءٍ ولا يكون تبياناً لنفسه، وسياق الآية يدل على أنّ المراد
من الزيادة هو الزيادة على الاستحاق فقد جعل سبحانه الجزاء حقاً للعامل ـ
لكن بفضله وكرمه ـ وقال: («لَهم أجرُهمْ عندَ رَبِّهِمْ») (آل عمران ـ 199)، ثم جعل
المضاعف منه حقاً للعامل أيضاً وهذا أيضاً بكرمه وفضله وقال: («من جاءَ
بالحَسَنَةِ فَلهُ عَشرُ أمثالها») (الاَنعام ـ 160) وبالنظر إلى هذه الآيات يتجلّى مفاد
قوله سبحانه: («للَّذِين أحسنوا الحسنى «استحقاقاً للجزاء والمثوبة الحسنى»
وزيادة «على قدر الاستحقاق»»)، قال سبحانه: («فأمَّا الَّذِينَ آمنوا وعَمِلوا
الصّالحاتِ فيُوفِّيهمْ أُجورَهُم ويَزيدُهُمْ منْ فضلِهِ») (النساء ـ 173) .