ولأجل حلّ الإشكال الّذي علق بالكثير من الأذهان نميط الستر عمّا هو المراد بالقوانين الثابتة وما هو المقصود بالمقررات المتغيّرة على وجه لا يمسُ التغيّرُ والتحوّل صميمَ الشريعة، وفي نفس الوقت تنطبق الشريعة الخالدة على عامّة المقتضيات وألوان الحياة. وإليك بيانه:
إنّ للإنسان مع قطع النظر عمّا يحيط به من شروط العيش المختلفة، روحيات وغرائز خاصة تلازمه، ولا تنفك عنه، إذ هي في الحقيقة مشخّصات تكوينية له، بها يتميّز عن سائر الحيوانات وتلازم وجوده في كلّ عصر ولا تنفك عنه بمرور الزمان .
فهاتيك الغرائز الثابتة والروحيات الخالدة، لا تستغني عن قانون ينظم اتجاهها، وتشريع ينظمها، وحكم يصونها عن الإفراط والتفريط، فإذا كان القانون مطابقاً لمقتضى فطرته وصالحاً لتعديلها، ومقتضياً لصلاحها، ومانعاً لفسادها، لزم خلوده بخلودها وثبوته بثبوتها.
وهؤلاء قد قصروا النظر على ما يحيط به من شروط العيش المختلفة المتبدّلة، وذهلوا عن أنّ للإنسان خلقاً وروحيات وغرائز، قد فطر عليها، لاتنفك عنه ما دام إنساناً، وكلّ واحد منها يقتضي حكماً يناسبه ولايباينه، بل يلائمه، ويدوم بدوامه ويثبت بثبوته عبر الأجيال والقرون.
ودونك نماذج من هذه الأُمور ليتبيّن لك بأنّ التطور لا يعمّ جميع نواحي الحياة، وأنّ الثابت منها يقتضي حكماً ثابتاً لا متطوراً:
1ـ إنّ الإنسان بما هو موجود اجتماعي، يحتاج لحفظ حياته وبقاء