تصوير مسرح الحدث

ثم يصوِّرُ اللهُ تعالى مسرحَ الحدثِ فيقول: (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) البروج: (5) انظروا أيها الناس ماذا يلاقيه هؤلاء المؤمنون الأبرياء في هذه النار المشتعلة و المتوهجة، (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَ هُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) البروج: (7)، القرآن الكريم يثير اللهفة والحسرة في قلوب الناس على هؤلاء المؤمنين المعذّبين.

ما ذنب هؤلاء المؤمنين؟

(وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) البروج: (8)، القرآن الكريم يتعاطف مع هؤلاء المؤمنين ويقول لماذا يُعذّب هؤلاء وما ذنبهم؟ فهل الإيمان بالله جريمة يستحق المؤمن بها الإحراق؟ إذن القرآن يريد أن يصور لنا مدى حقانية موقف هؤلاء المظلومين. ثم يقول: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) البروج: (9).

تحديد الموقف من الظلم

القرآن الكريم يرشدنا إلى أن نتبرأ من الظالمين بعد أن تبرأ الله منهم: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) البروج: (10) القرآن الكريم لا يكتفي بأن تندب المظلوم وتتأثر بما حصل له من قساوة وبشاعة وفداحة وتعذيب وظلم، وفي هذه اللحظات العاطفية يطلب منك أن تطهر نفسك من المبادئ السقيمة والمنحرفة من خلال البراءة ممن تجسدت فيهم تلك المبادئ السقيمة والمنحرفة، والقرآن الكريم لا يكتفي بقوله: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) البروج: (9) وإنما يزيد على ذلك بقوله: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ (13)) البروج (13: 12) فالقرآن يهدد الظالمين ويتوعدهم بأن أفعالهم لن تمر بدون محاسبة وإنما سيتعرضون للبطش الشديد.

الندبة صباحاً ومساء

إذن سورة البروج تمثل ندبة ورثاء قرآنياٍ لأصحاب الأخدود المظلومين الذين ثبتوا على مبادئهم وأعطوا البشرية هذا الدرس الكبير، ونحن نقرأ القرآن في كل أسبوع وفي كل ليلة وفي شهر رمضان، والقرآن يرثي المظلومين ويندبهم ويتفاعل معهم، والذي يرفض هذا الأمر فلن يتربى في جو القرآن وفي مدرسة القرآن الكريم.