اسم الکتاب : العقل العملي المؤلف : السند، الشيخ محمد الجزء : 1 صفحة : 224
المقصود من الرمي و التهرول و نحوهما محض اظهار الرقّية و العبودية كما قيل: «أنّ بمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق بخلاف سائر العبادات كالزكاة التي هي احسان مستحسن و للعقل إليه سبيل و الصوم الذي هو كسر الشهوة التي هي عدو اللّه و تفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل و كالركوع و السجود في الصلاة التي هي تواضع للّه و للنفوس أنس بتعظيم اللّه و أمّا أمثال الرمي و التهرول فلا اهتداء للعقل إلى أسرارها فلا يكون في الاقدام عليها باعث غير الأمر المجرد و قصد الامتثال و فيه عزل للعقل عن تصرفه و تصريف النفس و الطبع عن محل أنسه المعين على الفعل فإنّ كلّ ما أدركه العقل و عرف وجه الحكمة في فعله مال الطبع إليه ميلا ما فيكون ذلك الميل معينا للأمر و باعثا على الفعل فلا يكاد يظهر كمال الرق و الانقياد».
أقول منظور هذا القائل: «إن المصالح في الأفعال الشرعية بعضها واضح و بعضها خفيّ و بعضها أخفى لا يهتدي إليها أكثر العقول و إلا فأوامر الحكيم و نواهيه كلّها ذوات حكم و مصالح و كلمات العلماء مشحونة بذلك مثل علل فضل بن شاذان و غيره كيف و عقلية الحسن و القبح تشهد بذلك و سنبيّن إن شاء اللّه تعالى ...» انتهى.
و قال [1] في شرح «يا رب الحل و الحرام»: «أي ما يحلّ فعله سواء كان مع المنع من الترك و هو «الواجب» أو مع جواز الترك على مرجوحية و هو «المندوب» أو على راجحية و هو «المكروه» أو على مساواة و هو «المباح» فالمراد ب «الحل» الجواز بالمعنى الأعم من الجواز بمعنى التساوي للطرفين، أعني ما هو الجنس له و للثلاثة الأخرى و ما يحرم فعله هو «الحرام» و هذه هي «الأحكام الخمسة الشرعية» و تسميتها شرعية ليس معناها أنّها ليست عقلية بل أن الشرع كاشف عن أحكام العقل كما هو قاعدة التحسين و التقبيح العقليين؛ ... إذ قد اختلف في حسن الأشياء و قبحها، أ إنّهما عقليان أو شرعيان فذهب الحكماء و الإمامية و المعتزلة إلى الأول و الأشاعرة إلى الثاني ...».