اسم الکتاب : الرسائل الأربع( قواعد أصولية وفقهية) - تقريرات المؤلف : السبحاني، الشيخ جعفر الجزء : 1 صفحة : 43
الكذب، فيحكم العقل بارتكاب أقلّ القبيحين تخلصاً من ارتكاب الأقبح. على أنّه يمكن التخلّص عن الكذب بالتعريض (أي التورية).
و باختصار: أنّ تخليص النبي أرجح من حسن الصدق فيكون تركه أقبح من الكذب فيرجح ارتكاب أدنى القبيحين و هو الكذب لاشتماله على المصلحة العظيمة، على الصدق.
أضف إلى ذلك: أنّ الاستدلال مبنيّ على كون قبح الكذب و حسن الصدق، كقبح الظلم و حسن العدل، ذاتيين لا يتغيران. و أمّا على ما مرّ من أنّ الأفعال بالنسبة إلى الحسن و القبح على أقسام:
منها: ما يكون الفعل علّة تامة لأحدهما، فلا يتغير حسنه و لا قبحه بعروض العوارض كحسن الإحسان و قبح الإساءة.
و منها: ما يكون مقتضياً لأحدهما، فهو موجب للحسن لو لم يعرض عليه عنوان آخر، و هكذا في جانب القبح. و قد تقدّم أنّ حسن الصدق و قبح الكذب من هذا القبيل.
و منها: ما لا يكون علّة و لا مقتضياً لأحدهما كالضرب، و إنّما يوصف بأحدهما بطرو عنوان كالضرب جزاء أو إيذاء.
إنّ الآمدي- أحد المتكلّمين من الأشاعرة- نقل وجوهاً سبعة لإنكار التحسين و التقبيح العقليين و نحن نضنّ بالقلم و الحبر و الورق عن نقلها و الردّ عليها، و لأجل الوقوف على ضالتها نذكر واحداً منها:
لو كان الكذب قبيحاً لذاته، للزم منه أنّه إذا قال: «إن بقيت ساعة كذبت» أن يكون الحسن منه في الساعة الأُخرى، الصدق أو الكذب، و الأوّل ممتنع لما يلزمه من كذب الخبر الأوّل و هو قبيح، فلم يبق غير الثاني و هو المطلوب. ( [1])
انظر إلى هؤلاء، كيف يستدلّون على مسألة كلامية أو أُصولية أو أخلاقية بهذه الوجوه التافهة، و هم بدل أن يرجعوا إلى فطرتهم و قضاء عقولهم، صاروا يستدلون بهذه اللغز و الأحاجي. و مع ذلك نقول: إنّ وظيفته في الساعة الأُخرى هو