إنّ دلالة قوله سبحانه : (وتمّت كلمةُ رَبِّك . . .) على إيصاد باب الوحي إلى يوم القيامة واضحة بعد الوقوف على معنى الكلمة; فإنّ المراد منها الدعوة الإسلامية ، أو القرآن الكريم وما فيه من شرائع وأحكام ، والشاهد عليها الآية المتقدمة حيث قال سبحانه : (وهوَ الَّذي أنزلَ إلَيكُمُ الكتابَ مُفَصَّلاً والَّذينَ آتَيناهُمُ الكتابَ يَعَلمونَ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالحقِّ )[2] فالمراد من قوله (أنزلَ إلَيكُمُ الكتابَ) هو القرآن النازل على العالمين ، ثمّ يقول : بأنّ الذين آتيناهم الكتاب من قبل كاليهود والنصارى إذا تخلّصوا من الهوى يعلمون أنّ القرآن وحي إلهي كالتوراة والإنجيل ، وأنّه منزّلٌ من الله سبحانه بالحقّ ، فلا يصحّ لأيّ منصف أن يتردّد في كونه نازلاً منه إلى هداية الناس .
ثمّ يقول في الآية التالية : (وتمّت كلمةُ ربِّكَ) بظهور الدعوة المحمدية ، ونزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب ، وصارت مستقرة في محلّها بعدما كانت تسير دهراً طويلاً في مدارج التدرّج بنبوّة بعد نبوّة وشريعة بعد شريعة[3] .