منه لم يجز له التسليم، فلو هلكت العين المستأجرة فالمؤجر ضامن مع التلف.
هذا، ولكن المشهور بين الفقهاء المتأخّرين [1] جواز التسليم مع إطلاق العقد ومنع المالك، فانّه بعد أن كانت الإجارة مطلقة وغير مقيّدة بالمباشرة، وكان العمل مما يستلزم عادة تسليم العين جاز ذلك؛ لأنّه إذن ضمني من المالك ثابت بمقتضى العقد عرفاً [2]). مضافاً إلى ما في معتبرة الصفار المتقدمة [3] من نفي الضمان عن القصّار الذي سلّم الثوب إلى غيره فضاع، بعد أن كان العامل الأوّل ثقة.
واستدل أيضاً بأنّ عدم الضمان في إجارة الأعيان أولى منه في الأعيان؛ نظراً إلى أنّه إذا أسقط الضمان مع تسليم العين لاستيفاء المنفعة منها فالأولى إسقاطه مع تحصيل المنفعة للمالك فيها.
وهناك تفصيل بين التسليم إلى الأمين فيجوز وبين التسليم إلى غيره فلا يجوز، وهو المنسوب إلى ابن الجنيد كما حكى عنه في المختلف، قال: «قال ابن الجنيد:
ولو كان الأجير مأموناً فسلّم السلعة إلى غيره ليعمل فيها عملًا كان لصاحب السلعة أن يطالبه إن اتهم أجيره، وإن كان الثاني مأموناً لم يضمن واحد منهما» [4]، واختاره بعض الأعلام كالسيدين الحكيم والخوئي حيث ذهبا إلى أنّ الحكم فيما نحن فيه هو الحكم في تسليم الأعيان المستأجرة إلى الغير، وحكما في تلك المسألة بعدم جواز التسليم إلّا إذا كان المستأجر الثاني أميناً [5]، نظراً إلى أنّ يد الأجير يد أمانة تقتضي الحفاظ على العين وعدم تعريضها إلى الخطر [6]). ومع التسليم إلى غير الثقة تصير يده يد ضمان كما هو
[1] المختلف 6: 115، حيث قال: «أمّا الضمان الذي حكم به ابن ادريس ففيه بحث ونظر، فانّه يحتمل عدم ثبوته؛ لأنّه لم يتعدّ بالتسليم إلى غيره؛ إذ له ذلك شرعاً، فلا يناسب العقوبة الساقطة بالأصل السالم عن المعارض، مع أنّه ورد الحديث الصحيح بسقوطه [كما] روى علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى الكاظم عليه السلام ... فإذا أسقط الضمان مع تسليم العين لاستيفاء المنفعة منها، فالأولى إسقاطه مع تحصيل المنفعة للمالك فيها». غاية المراد 2: 317. الروضة 4: 355. مجمع الفائدة 10: 38- 39. الحدائق 21: 632، حيث قال: «إنّه المشهور». [2] مستند العروة (الإجارة): 292. [3] الوسائل 19: 146، ب 29 من الإجارة، ح 18. [4] المختلف 6: 115. [5] المنهاج (الحكيم) 2: 124، 126- 127، م 50، 54. المنهاج (الخوئي) 2: 93، 95، م 442، 449. [6] مستند العروة (الاجارة): 274.