آخر وتبعه على ذلك بعض، وهو أنّ الوجوب ليس مدلولًا للدليل اللفظي، وإنّما مدلوله طلب الفعل أو البعث إليه أو إبراز اعتباره على ذمّة المكلّف فحسب، ولا يدلّ على ما عدا ذلك. والوجوب إنّما يكون بحكم العقل، وذلك لأنّ كلّ طلب يصدر من المولى ولا يقترن بالإذن في المخالفة يحكم العقل بأنّ وظيفة العبوديّة تقضي بلزوم امتثاله وإطاعته، وبهذا اللحاظ ينتزع منه عنوان الوجوب، بخلاف ما إذا أقام المولى قرينةً على الترخيص وجواز الترك فإنّ العقل لا يلزم المكلّف بموافقة هذا الطلب، وبهذا اللحاظ ينتزع منه عنوان الاستحباب، فكلّ من الوجوب والاستحباب شأن من شئون حكم العقل المتعلّق بطلب المولى [1]).
وهناك قول آخر: وهو أنّ الوجوب ليس مدلولًا وضعيّاً للدليل اللفظي، وإنّما مدلوله هو الجامع بين الإرادة الشديدة والضعيفة، بل الوجوب مستفاد من إطلاق الدليل ومقدّمات الحكمة، وذلك لأنّ المولى إذا أمر بشيء وكان في مقام البيان ولم ينصب قرينةً على إرادة الجامع بين الإرادة الشديدة والضعيفة فمقتضى الإطلاق وعدم نصب قرينة على إرادة المرتبة الضعيفة من الإرادة هو حمل الأمر على بيان المرتبة الشديدة، حيث إنّ بيانها لا يحتاج إلى مئونة زائدة دون بيان المرتبة الضعيفة.
وإذا نصب المولى قرينةً على عدم إرادة المرتبة الشديدة فلا يكون العبد ملزماً بالفعل، ويعبّر عن هذه المرتبة بالاستحباب، كما يعبّر عن المرتبة الشديدة المبرزة بالوجوب [2]).
وتفصيل الكلام في هذه الآراء والمباني موكول إلى علم الاصول.
ثالثاً- الألفاظ ذات الصلة:
1- الندب:
وهو لغة الدعاء إلى الشيء، وندب القوم يندبهم ندباً: دعاهم وحثّهم [3]). وأمّا في اصطلاح الفقهاء والاصوليّين فهو كلّ ما رغب فيه بما
[1] انظر: أجود التقريرات 1: 144- 145. المحاضرات 2: 129- 130. [2] انظر: مقالات الاصول 1: 207- 208. [3] لسان العرب 14: 88. مجمع البحرين 3: 1763.