أَنَّهُمْ غَسَّانُ فَقَالَ: «إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوْقِفِهِمْ دُونَ طَعْنٍ دِرَاكٍ يَخْرُجُ مِنْهُ النَّسِيمُ[1] وَ ضَرْبٍ يَفْلِقُ الْهَامَ وَ يُطِيحُ الْعِظَامَ وَ تَسْقُطُ مِنْهُ الْمَعَاصِمُ وَ الْأَكُفُّ حَتَّى تُصْدِعَ جِبَاهَهُمْ وَ تُنْثَرَ حَوَاجِبُهُمْ عَلَى الصُّدُورِ وَ الْأَذْقَانِ أَيْنَ أَهْلُ الصَّبْرِ وَ طُلَّابُ الْخَيْرِ أَيْنَ مَنْ يَشْرِي وَجْهَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ» فَثَابَتْ إِلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَدَعَا ابْنَهُ مُحَمَّداً فَقَالَ لَهُ: «امْشِ نَحْوَ هَذِهِ الرَّايَةِ مَشْياً رُوَيْداً عَلَى هِينَتِكَ حَتَّى إِذَا أَشْرَعْتَ فِي صُدُورِهِمُ الرِّمَاحَ فَأَمْسِكْ يَدَكَ حَتَّى يَأْتِيكَ أَمْرِي وَ رَأْيِي»[2] فَفَعَلَ وَ أَعَدَّ عَلِيٌّ ع مِثْلَهُمْ مَعَ الْأَشْتَرِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ وَ أَشْرَعَ الرِّمَاحَ فِي صُدُورِهِمْ أَمَرَ عَلِيٌّ الَّذِينَ أُعِدُّوا فَشَدُّوا عَلَيْهِمْ وَ نَهَضَ مُحَمَّدٌ فِي وُجُوهِهِمْ فَزَالُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ وَ أَصَابُوا مِنْهُمْ رِجَالًا وَ اقْتَتَلَ النَّاسُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قِتَالًا شَدِيداً فَمَا صَلَّى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا إِيمَاءً.
وَ قَالَ الْعَدِيلُ بْنُ نَائِلٍ الْعِجْلِيُ[3]:
لَسْتُ أَنْسَى مُقَامَ غَسَّانَ بِالتَّلِ
وَ لَوْ عِشْتُ مَا أَظَلُّ شَمَامِ
سَادَةٌ قَادَةٌ إِذَا اعْصَوْصَبَ الْقَوْمُ
لِيَوْمِ الْقِرَاعِ عِنْدَ الْكِدَامِ[4]
وَ لَهُمْ أَنْدِيَاتُ نَادِ كِرَامٍ
فَهُمُ الْغُرُّ فِي ذُرَى الْأَعْلَامِ
نَاوَشُونَا غَدَاةَ سِرْنَا إِلَيْهِمْ
بِالْعَوَالِي وَ بِالسُّيُوفِ الدَّوَامِي
فَتَوَلَّوْا وَ لَمْ يُصِيبُوا حَمِيماً
عِنْدَ وَقْعِ السُّيُوفِ يَوْمَ اللَّغَامِي[5]
[1] النسيم: الروح، كالنسم. قال الأغلب:
ضرب القدار نقيعة القديم
يفرق بين النفس و النسيم
.
[2] في الأصل: «و رايتى».
[3] لم أعثر له على ترجمة. و في شعرائهم: «العديل بن الفرخ العجليّ».
[4] اعصوصب القوم: اجتمعوا و صاروا عصابة واحدة. و الكدام: شدة القتال، و في اللسان: «و الكدم و المكدم: الشديد القتال». و في الأصل: «الكهام» و لا وجه له.
[5] كذا وردت هذه الكلمة.