[1]. قال الأستاذ الشعرانى في هوامش شرح الكافي:«
هذا الحديث صحيح من جهة الاسناد، قريب من جهة الاعتبار، منبه على طريقتهم عليهم
السلام في أمثال هذه المسائل الكونية. و المعلوم من سؤال السائل:« ان الناس
يذكرون» أن ذهنهم متوجه الى السبب الطبيعي الموجب لوجود الرياح و منشأها و علة
اختلافها في البرودة و الحرارة و غيرها.
و غاية ما وصل إليه فكرهم أن
الشمال لبرودتها من الجنة، و الجنوب لحرارتها من النار.
فصرف الامام ذهنهم عن التحقيق
لهذا الغرض اذ ليس المقصود من بعث الأنبياء و الرسل و انزال الكتب كشف الأمور
الطبيعية و لو كان المقصود ذلك لبين ما يحتاج إليه الناس من ادوية الأمراض كالسل و
السرطان، و خواصّ المركبات و المواليد، و لذكر في القرآن مكرّرا علة الكسوف و
الخسوف كما تكرر ذكر الزكاة و الصلاة و توحيد اللّه تعالى و رسالة الرسل، و لورد
ذكر الحوت في الرّوايات متواترا كما ورد ذكر الإمامة و الولاية و المعاد و الجنة و
النار، و كذلك ما يستقر عليه الأرض و ما خلق منه الماء؛ مع أنا لا نرى من أمثال
ذلك شيئا في الكتاب و السنة المتواترة الا بعض أحاديث ضعيفة غير معتبرة أو بوجه
يحتمل التحريف و السهو، و المعهود في كل ما هو مهمّ في الشرع و يجب على الناس
معرفته أن يصر الامام عليه السّلام بل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على تثبيته و
تسجيله و بيانه بطرق عديدة غير محتملة للتأويل حتّى لا يغفل عنه أحد.
و بالجملة لما رأى الامام عليه
السّلام اعتناء الناس بالجهة الطبيعية صرفهم بان الواجب على الناظر في أمر الرياح
و المتفكر فيها أن يعتنى بالجهة الإلهيّة و كيفية الاعتبار بها و الاتعاظ بما
يترتّب عليها من الخير و الشرّ، سواء كانت من الجنة أو من الشام أو من افريقية و
اليمن، فأول ما يجب: أن يعترف بأن جميع العوامل الطبيعية مسخرة بامر اللّه تعالى و
على كل شيء-- ملك موكل به و أن الجسم الملكى تحت سيطرة المجرّد الملكوتى المفارق
عن الماديات كما ثبت في محله« أن المادة قائمة بالصورة و الصورة قائمة بالعقل
المفارق» و هذا أهمّ ما يدل عليه هذا الحديث الذي يلوح عليه أثر الصدق و صحّة
النسبة الى المعصوم عليه السّلام.
ثمّ بعد هذا الاعتراف يجب
الاعتبار بما وقع من العذاب على الأمم السالفة بهذه الرياح و ما يترتب من المنافع
على جريانها و هذا هو الواجب على المسلم من جهة الدين إذا نظر الى الأمور
الطبيعية».
اسم الکتاب : الخصال المؤلف : الشيخ الصدوق الجزء : 1 صفحة : 261