اسم الکتاب : وضوء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) المؤلف : الشهرستاني، السيد علي الجزء : 1 صفحة : 354
التزام الحكّام الفقه المغاير للعلويين
و الباحثون يعلمون أنّ تقوية مدرسة أهل الرأي قبال أنصار الأثر كان له بعد سياسيّ، و انّه إجراء مؤقت و ليس بسياسة عامّة للحكّام و لا دائمة، و انّ المنصور قد استفاد بالفعل من هذا التقريب كما رأيت في مناظرة أبي حنيفة مع الصادق، لكنّا نراه فيما بعد يغيّر سياسته مع الفقهاء، و يسعى لتقريبهم، فيطلب من الإمام مالك بن أنس أن يكتب موطّأة و يقول له: يا أبا عبد اللّٰه ضع هذا العلم و دوّنه، و دوّن منه كتبا و تجنّب فيه شواذ عبد اللّٰه بن مسعود، و رخص ابن عبّاس، و شدائد ابن عمر، و اقصد إلى أوسط الأمور، و ما اجتمع عليه الأئمّة و الصحابة رضي اللّٰه عنهم، لنحمل الناس إن شاء اللّٰه على علمك و كتبك و نبثّها في الأمصار و نعهد إليهم إلا يخالفوها، و لا يقضوا بسواها.
فقال مالك: أصلح اللّٰه الأمير، إنّ أهل العراق لا يرضون علمنا، و لا يرون في علمهم رأينا.
و في رواية أخرى، قال المنصور لمالك: اجعل العلم يا أبا عبد اللّٰه علما واحدا.
فقال مالك: إنّ أصحاب رسول اللّٰه تفرّقوا في البلاد فأفتى كلّ في مصره بما رأى، و انّ لأهل البلد- يعني مكّة- قولا، و لأهل المدينة قولا، و لأهل العراق قولا تعدّوا فيه طورهم.
فقال المنصور: أمّا أهل العراق فلا أقبل منهم صرفا و لا عدلا، و أمّا العلم عند أهل المدينة، فضع للناس العلم [1].
فإنّ جملة المنصور: (أمّا أهل العراق فلا أقبل منهم صرفا و لا عدلا) فيها إشارة إلى يأسه منهم لكونهم علويين عقيدة، و لوجود أبي حنيفة بينهم الذي لم يكن على وفاق مع الحكّام.
و لأجل ذلك نرى المنصور يولي مالكا عناية خاصّة و يطلب منه أن يكتب الموطّأ و يقول له: (لنحمل الناس إن شاء اللّٰه على علمك و كتبك و نبثّها في
[1] انظر: الإمام مالك، للدكتور مصطفى الشكعة: ص 133، عن ترتيب المدارك: 30- 33.
اسم الکتاب : وضوء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) المؤلف : الشهرستاني، السيد علي الجزء : 1 صفحة : 354