فلو ثبت ذلك .. لصحّت كلتا الكيفيّتين، و لتخيّر المكلّف في الأخذ بأيّهما شاء مع ترك الآخر، فتكون حاله كبقيّة الأحكام التخييريّة.
لكنّ هذا الاحتمال في غاية البعد، لأنّنا نعلم بأنّ الحكم الشرعيّ- سواء التعيينيّ أو التخييريّ- إنّما يأخذ مشروعيّته من الكتاب و السنّة، فكفّارة اليمين- مثلا- دلّ عليها دليل من القرآن و هو قوله تعالى فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ[2] فعرفنا على ضوء الآية بأنّ الحكم في كفّارة اليمين إمّا إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.
و كفّارة صوم شهر رمضان، قد دلّ عليها حديث الأعرابيّ [3]، و رواية أبي هريرة [4]، و هكذا الأمر بالنسبة إلى غيرهما من الأحكام التخييريّة ..
أمّا فيما نحن فيه، فلا دلالة قرآنيّة، و لا نصّ من السنّة النبويّة، و لا نقل من صحابيّ بأنّه (ص) فعلها على نحو التخيير، و ليس بأيدينا و لا رواية واحدة- و إن كانت من ضعاف المرويّات- مرويّة عن أيّ من الفريقين تدلّ على التخيير، بل الموجود هو التأكيد على صدور الفعل الواحد عنه (ص) و قد اختلفوا في ذلك، فذهب بعض إلى أنّه (ص) غسل رجله، و ذهب البعض الآخر إلى أنّه (ص) مسح رجله، و استنصر كلّ منهما بالقرآن و السنّة على ما ذهب إليه [5].
و إذا ما تتبّع الباحث أقوال علماء الإسلام فسوف يقف على أنّ الوضوء
[1] كنز العمّال 9: 429- 26822، شرح معاني الآثار 1: 35- 162.