اسم الکتاب : منية المريد المؤلف : الشهيد الثاني الجزء : 1 صفحة : 94
على ابن آدم بعد خلقه و إبرازه من ظلمة العدم إلى ضياء الوجود
فقال سبحانه في أول سورة أنزلها على نبيه محمد ص اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ
الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ[1]. فتأمل كيف
افتتح كتابه الكريم المجيد الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[2] بنعمة الإيجاد ثم أردفها
بنعمة العلم فلو كان ثم منه أو توجد نعمة بعد نعمة الإيجاد هي أعلى من العلم لما
خصه الله تعالى بذلك و صدر به نور الهداية و طريق الدلالة على الصراط المستقيم
الأخذ بحجزة البراعة و دقائق المعاني و حقائق البلاغة. و قد قيل[3] في وجه التناسب بين الآي المذكورة في
صدر هذه السورة التي قد اشتمل بعضها على خلق الإنسان من علق و في بعضها تعليمه ما
لم يعلم ليحصل النظم البديع في ترتيب آياته إنه تعالى ذكر أول حال الإنسان و هو
كونه علقة مع أنها أخس الأشياء و آخر حاله و هو صيرورته عالما و هو أجل المراتب
كأنه تعالى قال كنت في أول حالك في تلك الدرجة التي هي غاية الخساسة فصرت في آخر
حالك في هذه الدرجة التي هي الغاية في الشرف و النفاسة و هذا إنما يتم لو كان
العلم أشرف المراتب إذ لو كان غيره أشرف لكان ذكر ذلك الشيء في هذا المقام أولى.
و وجه آخر[4] أنه تعالى
قال وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ
ما لَمْ يَعْلَمْ[5].