فزوال العدالة بالكبيرة حقيقي، و عودها بالتوبة تعبّدي، بل سيجيء [1] أنّ الندم على المعصية عقيب صدورها، يعيد الحالة السابقة و هي الملكة المتّصفة بالمنع، إذ لا فرق حقيقة بين من تمنعه ملكته عن ارتكاب المعصية و بين من توجب عليه تلك الملكة الندم على ما مضى منه، فحالة الندم بعينها هي الحالة المانعة فعلا، لأنّ الشخص حين الندم على المعصية، من حيث إنّها معصية- كما هو معنى التوبة- يمتنع صدور المعصية منه، فالشخص النادم متّصف بالملكة المانعة فعلا، بخلاف من لم يندم، فتأمّل.
و منها:
أنّ ما اشتهر بينهم أنّ تقديم الجارح على المعدّل- عند التعارض- لا يتأتّى إلّا على القول بأنّ العدالة هي «حسن الظاهر» و أمّا على القول بأنّه «الملكة» فلا يتّجه، لأنّ المعدّل إنّما ينطق عن علم حصل له بعد طول المعاشرة و الاختبار، أو بعد الجهد في تتبّع الآثار، فيبعد صدور الخطأ منه، و يرشد إلى ذلك تعليلهم تقديم الجرح بأنّا إذا أخذنا بقول الجارح فقد صدّقناه و صدّقنا المعدّل، لأنّه لا مانع من وقوع ما يوجب الجرح و التعديل بأنّ يكون كلّ منهما اطّلع على ما يوجب أحدهما: و أنت خبير بأنّ المعدّل- على القول بالملكة- إنّما يخبر عن علم بالملكة و ما هو عليه في نفس الأمر و الواقع، ففي تقديم الجرح حينئذ و تصديقهما معا جمع بين النقيضين، فتأمّل.
و الجواب أنّ عدم الكبيرة مأخوذ في العدالة إجماعا على ما تقدّم [2] إمّا لكونه قيدا للملكة على ما اخترناه، و إمّا لأخذه في العدالة بدليل الإجماع و النصّ، كيف! و لو لم يكن مأخوذة لم يكن الجارح معارضا له أصلا.
و كيف كان: فاعتماد المعدّل على هذا الأمر العدمي المأخوذ في تحقّق