فلأن الممنوع من القصر في سفره بالسبب المذكور يجب أن يكون ممنوعا من جميع الواجبات، بل و من المستحبات و الواجبات الغير المضيفة. و حينئذ فيحرم على غيره مخالطته بنحو البيع و الشراء و المحاورات العرفية و الحكايات و أمثالها، لما فيه من المعاونة على الإثم و العدوان. بل يحرم السلام عليه لما أنه يقتضي تشاغله بالرد، و يحرم أيضا الوقوف مع الجماعة في الصلوات على الوجه المنافي لكمال التشاغل.
و لم نسمع من أحد من العلماء الذين عاصرناهم، و لا عمن تقدم في الأعصار الماضية منع القوام من الجلوس في السوق، و التشاغل بالبيع و الشراء، و غيرهما من الأمور المباحة، بل أكثر من يتولى ذلك هم القوام و رأينا يحثونهم على ملازمة المساجد لصلاة الجمعة، و في الوقت سعة و يشتغلون بالمستحبات.
و الحاصل ان السفر المذكور ان كان حراما فالأشياء المذكورة كلها كذلك بل أولى فما المقتضي لقصر الاستنباط و التدوين على هذا الفرد.
و اما رابعا:
فلأن هذا الحكم انما يتحقق إذا كانت المعرفة للواجبات في السفر ممكنة، و أمكن العود أو الوصول الى موضع يحصل فيه القيام بالواجب، فلا يكون إطلاق كون الجهل مانعا من القصر في السفر صحيحا.
و اما خامسا:
فلأن إطلاق النصوص بالقصر لكل مسافر موجودة كثيرة لا تكاد تحصر.
و العموم و الإطلاق انما يخصه و يقيده الدليل الشرعي و لا دليل شرعي يدل على ذلك خصوصا، و إقرار النبي (صلى اللّه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) على القصر موجود، و قوله (عليه السلام): «انما هي صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته»