لَسْتُ أَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَا هَرْثَمَةُ قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ قَائِماً حَتَّى رَأَيْتُ ذَلِكَ الْفُسْطَاطَ الْأَبْيَضَ قَدْ نُصِبَ إِلَى جَانِبِ الدَّارِ فَحَمَلْتُهُ فَوَضَعْتُهُ إِلَى جَانِبِ الْفُسْطَاطِ فَعَبَرَ الْفُسْطَاطَ وَ صَارَ دَاخِلَهُ وَ قَعَدْتُ فِي ظَاهِرِهِ وَ كُلُّ مَنْ فِي الدَّارِ دُونِي وَ أَنَا أَسْمَعُ التَّكْبِيرَ وَ التَّهْلِيلَ وَ التَّسْبِيحَ وَ تَرَدُّدَ الْأَوَانِي وَ تَضَوُّعَ الطِّيبِ فَإِذَا أَنَا بِالْمَأْمُونِ قَدْ اشْرَفَ عَلَى بَعْضِ دَارِهِ فَصَاحَ يَا هَرْثَمَةُ أَ لَيْسَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُغَسِّلُهُ إِلَّا إِمَامٌ مِثْلُهُ فَأَيْنَ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ عَنْهُ وَ هُوَ فِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ وَ هَذَا بِطُوسَ بِخُرَاسَانَ فَقُلْتُ لَهُ وَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُغَسِّلُهُ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْتَهُ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ ارْتَفَعَ الْفُسْطَاطُ فَإِذَا أَنَا بِهِ مُدْرَجٌ فِي أَكْفَانِهِ فَوَضَعْتُهُ عَلَى نَعْشِهِ ثُمَّ حَمَلْنَاهُ فَاشْتَالَ النَّعْشُ مِنْ أَيْدِينَا وَ هُوَ يَسِيرُ إِلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ الْمَأْمُونُ وَ جَمِيعُ النَّاسِ فَجِئْنَا إِلَى مَوْضِعِ قَبْرِهِ فَوَجَدْتُهُمْ يَضْرِبُونَ بِالْمَعَاوِلِ مِنْ فَوْقِ الرَّشِيدِ لِيَجْعَلُوهُ قِبْلَةً لِقَبْرِ عَلِيٍّ الرِّضَا (عليه السلام) وَ الْمَعَاوِلُ تَنْبُو حَتَّى مَا تَقْلِبُ شَيْئاً مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ فَقَالَ لِي وَيْحَكَ يَا هَرْثَمَةُ أَ مَا تَرَى الْأَرْضَ كَيْفَ تَمْتَنِعُ مِنْ حَفْرِ قَبْرٍ لَهُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ائْذَنْ لَنَا لِأَضْرِبَ مِعْوَلًا وَاحِداً فِي قِبْلَةِ قَبْرِ أَبِيكَ وَ لَا أَضْرِبُ غَيْرَهُ قَالَ: فَإِذَا ضَرَبْتَ يَا هَرْثَمَةُ يَكُونُ مَا ذَا قُلْتُ لَهُ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْرُ أَبِيكَ قِبْلَةً لِقَبْرِهِ وَ أَنِّي إِذَا ضَرَبْتُ هَذَا الْمِعْوَلَ نَفَذَ الْقَبْرَ مَحْفُوراً مِنْ غَيْرِ يَدٍ تَحْفِرُهُ وَ بَانَ الضَّرِيحُ فِي وَسَطِهِ قَالَ الْمَأْمُونُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْجَبَ هَذَا الْكَلَامَ، فَلَا عَجَبَ مِنْ أَمْرِ أَبِي الْحَسَنِ فَاضْرِبْ حَتَّى نَرَى قَالَ هَرْثَمَةُ فَاخَذْتُ الْمِعْوَلَ فِي يَدِي فَضَرَبْتُ فِي قِبْلَةِ قَبْرِ هَارُونَ فَنَفَذَ الْقَبْرَ مَحْفُوراً وَ بَانَ الضَّرِيحُ فِي وَسَطِهِ قَالَ الْمَأْمُونُ أَنْزِلْهُ يَا هَرْثَمَةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا سَيِّدِي لَا إِنَّهُ أَمَرَنِي لَا أُنْزِلُهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ مِنْ أَرْضِ هَذَا الْقَبْرِ مَاءٌ أَبْيَضُ فَيَمْتَلِئَ بِهِ الْقَبْرُ مَعَ وَجْهِ الْأَرْضِ ثُمَّ تَظْهَرَ فِيهِ حِيتَانٌ صِغَارٌ فَأَنْثُرَ لَهَا خُبْزاً فَتَأْكُلَهُ ثُمَّ يَظْهَرَ حُوتٌ بِطُولِ الْقَبْرِ فَيَضْطَرِبَ وَ يَأْكُلَ الْحِيتَانَ الصِّغَارَ فَإِذَا غَابَ الْحُوتُ وَضَعْتُهُ عَلَى جَانِبِ الْقَبْرِ وَ خَلَّيْتُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَنْ يُنْزِلُهُ فِي لَحْدِهِ ثُمَّ غَابَ الْحُوتُ وَ غَارَ الْمَاءُ ثُمَّ جَعَلْتُ النَّعْشَ بِجَانِبِ الْقَبْرِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ كَمَا أَمَرَنِي فَتُسْجَفُ عَلَى الْقَبْرِ