اسم الکتاب : الانتصار في انفرادات الإمامية المؤلف : السيد الشريف المرتضي الجزء : 1 صفحة : 399
و لأنه إذا توالى أكله منه لا يكون ممسكا له على صاحبه، بل يكون ممسكا له على نفسه.
و قول المخالف لنا: إن الكلب متى أكل يخرج من أن يكون معلما، ليس بشيء، لأن الأكل إذا شذ و ندر لم يخرج به من أن يكون معلما، ألا ترى أن العاقل منا قد يقع منه الغلط فيما هو عالم به و محسن له على سبيل الشذوذ من صياغة [1] و كتابة و غيرهما و لا يخرج عن كونه عالما، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحق.
و تفرقة من فرق من القوم بين البازي و جوارح الطير و بين الكلب، بأن الطائر لا يقبل التعليم في ترك الأكل مما يصيده، و أنه يكفي في كونها معلمة- مع أنها مستوحشة غير آنسة- أن تألف صاحبها و تجيبه إذا دعاها، و الكلب مستأنس فلا يكفي في كونه معلما أن يدعى فيجيب و يألف صاحبه، فلا بد من أن يكون تعليمه إنما هو لترك الأكل.
غير صحيحة، لأن البازي كما جاز أن يقهر و يمرن على ما يخالف طبعه من الاستئناس و إجابة دعاء صاحبه، جاز أيضا أن يمرن و يعلم ترك الأكل لما يمسكه، فيعتاد ذلك و يفارق به طباعه كما فارق في الوجه الأول.
و أما الكلاب فليس كلها مستأنسة و فيها المستوحش أيضا، فلم لا يكون علامة كونها معلمة هي أن تأنس بنا و ندعوها فتجيب؟ و معلوم ضرورة أن إجابة داعيها ليس هو بشيء لها و إنما تعلمه و تمرن عليه، فألا أجروها مجرى جوارح الطير في أن أكلها مما تمسكه ليس مخرجا لها من التعليم، و هذا كله من القوم حدس و خبط.