responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : رحلة أبي طالب خان إلى العراق و أوروبة المؤلف : أبو طالب بن محمد الأصفهاني    الجزء : 1  صفحة : 42

ثقالته إنكليزي ضخم البدن جدا، و لم يكن يفصل حجرته عن حجرتي إلا نسيج من الخيش «الجنفاص»، فآذاني أذى فظيعا، و قد طالما أغضبني هذا الإنكليزي لأنّي كلّما رفعت صوتي بعض الرفع أو أقله في حجرتي عرضا صرخ هذا الرجل الساذج قائلا: و الآن إذن ألا تدعني أنام حينا ما؟.

و طوال الإعصار البحري كنا نقاسي نصبا في إعدادنا طعامنا، فكنا مجبرين على أن نأكل و نحن مضطجعو الأجسام، و من زيادة الشقاء أن السفينة دخل فيها من ماء الموج ليل نهار ما أوجب استعمال المضخات باستمرار، و قد رعب هذا العارض ركاب السفينة أشد الرعب أمّا أنا فقد كنت نصبا تعبا من الحياة، أرى جميع هذه الأمور بغير مبالاة [1].

و باليوم الرابع و العشرين من أيار من السنة المذكورة تبيّنا بعض القارة الأفريقية على نحو من مائتي ميل من شمال رأس «بون أسبرانس» المذكور آنفا و لم يكن قط أن نرسي السفينة فيه بعض الزمن، و مع ذلك فرؤيتي تلك الأرض أذرت الدموع من عينيّ، و شاهدنا على طول الساحل مخلوقات بحرية بشيعة و عدّة من الحيتان‌ [2] المعروفة باسم البال كانت تقترب جدا من السفينة، بحيث نراها بجهرة، و الواحدة منها أكبر من الفيل الضخم أربع مرّات، و هي تدفق ماء البحر من مناخرها الواسعة في سمك خمس عشرة مخصرة، و إذ كانت هذه الحيتان الثدوية، لا بدّ لها أن تطفو غالبا لتتنفّس سهلت رؤيتها على الرائي، و الأوروبيون يقتلونها و يستخرجون دهنها و شحومها البيض و يتخذون منها تجارة عظيمة.

كان الوقت رهيبا في بقية الشهر فنحن لم نر الشّمس و لا الكواكب عدّة ليال و عدّة نهر [3]، و كان الموج يتكسر باستمرار بمشاكي سياجها بعد سدها، و كنا مجبرين أيضا إمّا على أن ننغمس في ظلام دائم و إمّا على أن نوقد ليل نهار من الشمع، لقد بدأ الشمع يعوزنا، كنا إذن مكفنين بالظلمات كالجثث في قعر


[1] ستحلو للرحالة الحياة، كما سيأتي بقلمه في رحلته و يرى الحياة أحلى من سكر النبات خصوصا بين الفتيات. (المترجم).

[2] الحيتان جمع الحوت.

[3] النهر جمع نهار.

اسم الکتاب : رحلة أبي طالب خان إلى العراق و أوروبة المؤلف : أبو طالب بن محمد الأصفهاني    الجزء : 1  صفحة : 42
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست