اسم الکتاب : رحلة أبي طالب خان إلى العراق و أوروبة المؤلف : أبو طالب بن محمد الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 34
اختاروا أحسن الحجر قبلا، و من سوء حظنا أننا قد دفعنا أجرة سفرنا إلى إنكلترا، في كلكتا نفسها، فأصبح عدولنا عن السفر فيها غير ممكن، و كنا مجبرين على الرضا بما عين لنا و ما سمح لنا به.
و كان ربان السفينة «نيتلمان» متكبّرا عنيدا، و كان نائبه أمريكي الأصل يشبه كلبا ضخما متجهما، إلا أنه كان محبوب الخلق جدا، يضاف إلى ذلك أنه كان عليما بالملاحة، و لم تكن قط كذلك حال النائب الثاني و لا حال مساعدي الربان الآخرين فقد كانوا يجهلون الملاحة أصلا، فضلا عمّا كانوا عليه من الفظاظة و سوء الأدب.
و باليوم السادس عشر من الشهر المذكور آنفا أي شباط غادرنا «كدجرة» و واصلنا الانحدار في سفينتنا مع النهر و كان الماء يبلغ من سمكها ثلاث عشرة قدما و نصفا و مررنا فوق عدّة كثبان تجمع رملها في قعر النهر و لم يكن أسفل خشب السفينة يعلوها إلا بست بوصات في أكثر المرّات.
و إذا كان مدّ البحر في النهر قد بدأ بالجزر خشينا أن نعرّض السفينة لخطر الانتشاب في الرمل و الجنوح فيه. و في صباح اليوم الثاني بينما كنا نستعد لجذب الأنجر و متابعة السفر، أعلمنا اشتيام [1] سفينة خافرة أنّ بارجة حربية فرنسية تسمّى (لافورت [2]) تطوّف على مقربة من نهر الكانج، و قد استولت على عدّة سفن، و صدر أمر بأن لا تخرج السفن من موانيها، فيجب علينا انتظار رفع الحظر حتّى نستأنف السفر، و كان بعض الخطر في أن نصعد في ذلك النهر، فأجمعنا أمرنا على أن نرسي السفينة حيث كنا إلى أن يرفع الحظر. و في أثناء إقامتنا في «كدجرة» زودونا، باستمرار تام، خبزا طريا و زبدا و بيضا و سمكا و خضراوات. و لمّا كانت السفن تأبى التقدّم إلى الموضع الّذي كنا فيه اضطررنا أن نقتات البسكت و الزبد المملوح و أن نأخذ قسما من أزوادنا الّتي اتخذناها للسفر في البحر.
يضاف إلى هذا الحادث الرابك حادث آخر لم يكن أقل منه ربكا، ذلك أننا و إن كنا بعيدين جدا عن الشاطئ فقد أغار على سفينتنا الذبان بكثرة بحيث كان من
[1] الاشتيام: مدير أمور السفينة و ربانها، كما قدّمناه. (م).