اسم الکتاب : رحلة أبي طالب خان إلى العراق و أوروبة المؤلف : أبو طالب بن محمد الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 263
الخامس قبل غروب الشّمس، و لو كنت استعلمت في هذا الأمر في قره تبة لأغناني ذلك عن المتاعب غير المفيدة فسامراء على مسافة أربعة و عشرين ميلا من قره تبة [1]، و كنت أستطيع أن أمرّ بها بسهولة في ذهابي إلى بغداد و لكن ثواب هذه السفرة يجب أن يقاس بمدى المشقة فيها و أنا لم أشرع فيها إلّا ابتغاء تقديم احترام و تعظيم و تكريم إلى هذا المكان المقدّس، و من خروجي من بغداد إلى رجوعي إليها كان المطر مستمر النزول. و من زيادة البلية عليّ أنّ دليل باشا بغداد الّذي أرسله معي ليدلني كان سنيا متعصبا. فكان يهوى تنكيد الشيعة و إعناتهم في كل موضع نمر فيه، فكان هؤلاء الناعسون يهربون عند اقترابنا منهم، و يوسعونني لعنا، و قد بتنا اللّيلة الأولى تحت خيمة لرئيس عربي من قبيلة بني تميم كانت قريبة بعض القرب من تل يسمّى «سور نمرود [2]» الّذي قبل إنّ هذا الملك حاول بجنون أن يرقى منه إلى السّماء. و منذ اللّيلة الثانية دخلنا بلدة دجيل في حدود الأرض المقدّسة، و قد مكثنا عند متسلم أي مدّعي الإسلام [3]، و معنى ذلك على مذهب أهل السنة
لا تنه عن خلق و تأتي مثله* * * عار عليك إذا فعلت عظيم( م).
[4]. و في اليوم الثالث ذهبت في أثناء سلوكي الطريق، أقدّم احترامي إلى قبر إبراهيم (بن) مالك الأشتر قائد مشهور من نسل صهر محمّد [5] و قبر محمّد بن الإمام علي الهادي الّذي يحترمه النّاس حتّى أنّهم لا يقسمون إلّا باسمه، و كنّا إذن جدّ متأخرين حين وصلنا إلى ضفة دجلة، و في هذا الحين يكون النهر عميقا دائما و سريع الجرية، و كان يجب علينا عبوره و لذلك ركبنا سفينة مخرّفة يظهر على ملاحيها أنّهم يجهلون صنعتهم كل الجهل، فالمطر، هاطلا و الريح عاصفة بشدّة في نحو معاكس لوجهتنا، أذهبا جميع مجهودنا سدى، و بعد أن تعبنا ساعة اضطررنا إلى أن
[1] هذا من الأوهام فلعلّ الّذي أعلم أبا طالب ذلك أراد أنّها على تلك المسافة من مفترق الطريقين أو ملتقاهما عند خان النهروان. (المترجم).
[3] سبق أن أشرنا إلى وهم أبي طالب في تفسير المتسلم فيما مضى من رحلته و ذكرنا أنّ المتسلم لفظ عربي استعاره الأتراك العثمانيون لمن يتسلم الحكم في البلد أو المدينة قبل وصول حاكمهما. (المترجم).
[4] و هذا من تعصب أبي طالب الأعمى مع أنّه يلوم المتعصبين في رحلته:
لا تنه عن خلق و تأتي مثله* * * عار عليك إذا فعلت عظيم (م).