اسم الکتاب : رحلة أبي طالب خان إلى العراق و أوروبة المؤلف : أبو طالب بن محمد الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 181
رأى الغش الّذي أصابني من أهل دوفر، و علم أنّي أجهل اللغة الفرنسية أفحش الجهل، تفضّل عليّ بأن كان لي ترجمانا يفهمهم ما أقول و ما أريد.
و باليوم الثاني من وصولنا إلى دوفر أبحرنا و بعد ست ساعات أبررنا في «كاليه» ميناء فرنسا المشهور، فتعشينا في «كاليه» و ركبنا عربة سميت «السريعة» و اسمها مباين لحقيقتها، فهي في هويني سيرها قد ذكّرتني بعربات هندستان الّتي تجرّها الثيران، و بعد ثلاث ليال و نهارين من السياحة المواصلة وصلنا إلى باريس.
أبو طالب في فرنسا و باريس
و في جميع الطريق بين كاليه و باريس رأيت ما أبهجني و حليّ في عيني من هذه البلاد الجميلة المزروعة أحسن زراعة، و مررت بمزارع حنطة مأمولة وفارة غلّاتها، و مفصول بينها بكروم، و ببساتين تكلّل أشجارها ثمار لذيذة، و بسواق رائقة المياه تجري من تحت الطريق في عدّة مواضع و تنسل بين مسافة و أخرى من تحت قناطر من الحجر بديعة البناء محكمته و قويته.
و بالاعتماد على نقاط الارتئاء هذه على اختلافها أرى أنّ فرنسا تفوق إنكلترا، و مع ذلك رأيت قطعان الماشية في فرنسا هزيلة و ذات مظهر كئيب، و هي في هذه الحال من الهزال تشبه ماشية بلاد الهند، و الخيل في فرنسا يظهر أنّها موصولة الأرس [1] بخيل الفرس و العرب، و أنا أفضلها على خيل الإنكليز، و لكن بعضهم أكّد لي أنّها ليست في أكثر صفاتها تشبه تلك في الجودة و الفراهة. و في فرنسا نوع من الكلاب جد صغار بحيث تحملها السيدات تحت أذرعهن، خشية فقدانها أو إتعابها.
و الطرق في فرنسا طويلة جدا و مستقيمة كل الاستقامة، و حفافا كل طريق مغروس فيهما صفان من أشجار وارفة الظلال [2]، فتكون بالصيف ملاذا جدّ صحيّ للسائح يقيه من المطر و من أشعة الشّمس الحارّة، و كثير من المدن مسوّرة بأسوار حتّى لتظهر كأنّها حصون.